المسألة الثالثة: إن قيل أتقولون إن شدة ذلك اليوم تحصل لكل أحد أو لأهل النار خاصة؟ قلنا قال قوم إن الفزع الأكبر وغيره يختص بأهل النار، وإن أهل الجنة يحشرون وهم آمنون. وقيل بل يحصل للكل لأنه سبحانه لا اعتراض لأحد عليه في شيء من أفعاله، وليس لأحد عليه حق.
قوله تعالى * (ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد * كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في كيفية النظم وجهان: الأول: أخبر تعالى فيما تقدم عن أهوال يوم القيامة وشدتها، ودعا الناس إلى تقوى الله. ثم بين في هذه الآية قوما من الناس الذين ذكروا في الأول. وأخبر عن مجادلتهم الثاني: أنه تعالى بين أنه مع هذا التحذير الشديد بذكر زلزلة الساعة وشدائدها، فإن من الناس من يجادل في الله بغير علم، ثم في قوله: * (ومن الناس) * وجهان: الأول: أنهم الذين ينكرون البعث، ويدل عليه قوله: * (أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة) * (يس: 77) إلى آخر الآية. وأيضا فإن ما قبل هذه الآية وصف البعث وما بعدها في الدلالة على البعث، فوجب أن يكون المراد من هذه المجادلة هو المجادلة في البعث والثاني: أنها نزلت في النضر بن الحرث، كان يكذب بالقرآن ويزعم أنه أساطير الأولين، ويقول ما يأتيكم به محمد كما كنت أحدثكم به عن القرون الماضية وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما.
المسألة الثانية: هذه الآية بمفهومها تدل على جواز المجادلة الحقة، لأن تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدلائل يدل على أن المجادلة مع العلم جائزة، فالمجادلة الباطلة هي المراد من قوله: * (ما ضربوه لك إلا جدلا) * (الزخرف: 58) والمجادلة الحقة هي المراد من قوله: * (وجادلهم بالتي هي أحسن) * (النحل: 125).
المسألة الثالثة: في قوله: * (ويتبع كل شيطان مريد) * قولان: أحدهما: يجوز أن يريد شياطين الإنس وهم رؤساء الكفار الذين يدعون من دونهم إلى الكفر والثاني: أن يكون المراد بذلك إبليس وجنوده، قال الزجاج المريد والمارد المرتفع الأملس، يقال صخرة مرداء أي ملساء، ويجوز أن يستعمل في غير الشيطان إذا جاوز حد مثله.
أما قوله: * (كتب عليه) * ففيه وجهان: أحدهما: أن الكتبة عليه مثل أي كأنما كتب إضلال من عليه ورقم به لظهور ذلك في حاله والثاني: كتب عليه في أم الكتاب، واعلم أن هذه الهاء بعد ذكر من يجادل وبعد ذكر الشيطان، يحتمل أن يكون راجعا إلى كل واحد منهما، فإن رجع إلى من