ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر فيرضونه ولا يبغون عنها حولا، ونظيره قوله تعالى: * (ومساكن ترضونها) * (التوبة: 24) وقوله: * (في عيشة راضية) * (الحاقة: 21) وقوله: * (ارجعي إلى ربك راضية مرضية) * (الفجر: 28) وقوله: * (ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر) * (التوبة: 72).
المسألة الثالثة: إن قيل ما معنى * (وإن الله لعليم حليم) * وما تعلقه بما تقدم؟ قلنا يحتمل أنه عليم بما يستحقونه فيفعله بهم ويزيدهم، ويحتمل أن يكون المراد أنه عليم بما يرضونه فيعطيهم ذلك في الجنة، وأما الحليم فالمراد أنه لحلمه لا يعجل بالعقوبة فيمن يقدم على المعصية، بل يمهل ليقع منه التوبة فيستحق منه الجنة.
أما قوله: * (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (ذلك) * قد مضى الكلام فيه في هذه الآية في هذه السورة. وقال الزجاج أي الأمر ما قصصنا عليك من إنجاز الوعد للمهاجرين الذين قتلوا أو ماتوا.
المسألة الثانية: قوله: * (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه) * معناه: قاتل من كان يقاتله، ثم كان المقاتل مبغيا عليه بأن اضطر إلى الهجرة ومفارقة الوطن وابتدئ بالقتال، قال مقاتل: نزلت في قوم من المشركين لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم، فقال بعضهم لبعض: إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم، فناشدهم المسلمون أن يكفوا عن قتالهم لحرمة الشهر، فأبوا وقاتلوهم. فذلك بغيهم عليهم، وثبت المسلمون لهم فنصروا عليهم. فوقع في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام ما وقع، فأنزل الله تعالى هذه الآية: وعفا عنهم وغفر لهم وههنا سؤالات:
السؤال الأول: أي تعلق لهذه الآية بما قبلها؟ الجواب: كأنه سبحانه وتعالى قال مع إكرامي لهم في الآخرة بهذا الوعد لا أدع نصرتهم في الدنيا على من بغى عليهم.
السؤال الثاني: هل يرجع ذلك إلى المهاجرين خاصة أو إليهم وإلى المؤمنين؟ الجواب: الأقرب أنه يعود إلى الفريقين فإنه تقدم ذكرهما، وبين ذلك قوله تعالى: * (لينصرنه الله) * وبعد القتل والموت لا يمكن ذلك في الدنيا.
السؤال الثالث: ما المراد بالعقوبة المذكورة؟ الجواب: فيه وجهان: أحدهما: المراد ما فعله مشركو مكة مع المهاجرين بمكة من طلب آثارهم، ورد بعضهم إلى غير ذلك، فبين تعالى أن من عاقب هؤلاء الكفار بمثل ما فعلوا فسينصره عليهم، وهذه النصرة المذكورة تقوي تأويل من تأوله على مجاهدة الكفار لا على القصاص، لأن ظاهر النص لا يليق إلا بذلك والجواب الثاني: أن هذه الآية في القصاص والجراحات، وهي آية مدنية عن الضحاك.
السؤال الرابع: لم سمى ابتداء فعلهم بالعقوبة؟ الجواب: أطلق اسم العقوبة على الأول