صدرت الكبيرة منه بعد أن كان بدريا؟ والجواب: أنه لا يجوز أن يكون المراد منه افعلوا ما شئتم من المعاصي فيأمر بها أو يقيمها لأنا نعلم بالضرورة أن التكليف كان باقيا عليهم لو حملناه على ذلك لاقتضى زوال التكليف عنهم، ولأنه لو كان كذلك لما جاز أن يحد مسطح على ما فعل ويلعن، فوجب حمله على أحد أمرين: الأول: أنه تعالى اطلع على أهل بدر وقد علم توبتهم وإنابتهم فقال افعلوا ما شئتم من النوافل من قليل أو كثير فقد غفرت لكم وأعطيتكم الدرجات العالية في الجنة الثاني: يحتمل أن يكون المراد أنهم يوافون بالطاعة فكأنه قال: قد غفرت لكم لعلمي بأنكم تموتون على التوبة والإنابة فذكر حالهم في الوقت وأراد العاقبة.
المسألة السادسة: العفو والصفح عن المسئ حسن مندوب إليه، وربما وجب ذلك ولو لم يدل عليه إلا هذه الآية لكفي، ألا ترى إل قوله: * (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) * (النور: 22) فعلق الغفران بالعفو والصفح وعنه عليه الصلاة والسلام: " من لم يقبل عذرا لمتنصل كاذبا كان أو صادقا فلا يرد على حوضي يوم القيامة " وعنه عليه الصلاة والسلام: " أفضل أخلاق المسلمين العفو " وعنه أيضا: " ينادي مناد يوم القيامة ألا من كان له على الله أجر فليقم فلا يقوم إلا أهل العفو، ثم تلا فمن عفا وأصلح فأجره على الله " وعنه عليه الصلاة والسلام أيضا: " لا يكون العبد ذا فضل حتى يصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ".
المسألة السابعة: في هذه الآية دلالة على أن اليمين على الامتناع من الخير غير جائزة، وإنما تجوز إذا جعلت داعية للخير لا صارفة عنه.
المسألة الثامنة: مذهب الجمهور الفقهاء أنه من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أنا ينبغي له أن يأتي الذي هو خير ثم يكفر عن يمينه، وقال بعضهم إنه يأتي بالذي هو خير، وذلك كفارته واحتج ذلك القائل بالآية والخبر، أما الآية فهي أن الله تعالى أمر أبا بكر بالحنث ولم يوجب عليه كفارة، وأما الخبر فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وذلك كفارته " وأما دليل قول الجمهور فأمور: أحدها: قوله تعالى: * (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) * (المائدة: 89) فكفارته وقوله: * (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) * (المائدة: 89) وذلك عام في الحانث في الخير وغيره وثانيها: قوله تعالى في شأن أيوب حين حلف على امرأته أن يضربها * (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) * (ص: 44) وقد علمنا أن الحنث كان خيرا من تركه وأمره الله بضرب لا يبلغ منها، ولو كان الحنث فيها كفارتها لما أمر بضربها بل كان يحنث بلا كفارة وثالثها: قوله عليه الصلاة والسلام: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " أما الجواب: عما ذكره أولا فهو أنه تعالى لم يذكر أمر الكفارة في قصة أبي بكر لا نفيا ولا إثباتا لأن حكمه كان معلوما في سائر الآيات والجواب: عما ذكره ثانيا في قوله: " وليأت الذي هو خير وذلك كفارته " فمعناه تكفير الذنب لا الكفارة