الله إذا نكل الزوج عن اللعان حبس حتى يلاعن، وكذا المرأة إذا نكلت حبست حتى لا تلاعن حجة الشافعي وجوه: أحدها: أن الله تعالى قال في أول السورة: * (والذين يرمون المحصنات) * (النور: 4) يعني غير الزوجات * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) * (النور: 4) ثم عطف عليه حكم الأزواج فقال: * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم) * الآية فكما أن مقتضى قذف الأجنبيات الإتيان بالشهود أو الجلد فكذا موجب قذف الزوجات الإتيان باللعان أو الحد وثانيها: قوله تعالى: * (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله) * والألف واللام الداخلان على العذاب لا يفيدان العموم لأنه لم يجب عليها جميع أنواع العذاب فوجب صرفهما إلى المعهود السابق والمعهود السابق هو الحد لأنه تعالى ذكر في أول السورة * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * (النور: 2) والمراد منه الحد وإذا ثبت أن المراد من العذاب في قوله: * (ويدرأ عنها العذاب) * هو الحد ثبت أنها لو لم تلاعن لحدت وأنها باللعان دفعت الحد، فإن قيل المراد من العذاب هو الحبس. قلنا قد بينا أن الألف واللام للمعهود المذكور، وأقرب المذكورات في هذه السورة العذاب بمعنى الحد، وأيضا فلو حملناه على الحد لا تصير الآية مجملة. أما لو حملناه على الحبس تصير الآية مجملة لأن مقدار الحبس غير معلوم وثالثها: قال الشافعي رحمه الله ومما يدل على بطلان الحبس في حق المرأة أنها تقول إن كان الرجل صادقا فحدوني وإن كان كاذبا فخلوني فما بالي والحبس وليس حبسي في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا الإجماع ولا القياس ورابعها: أن الزوج قذفها ولم يأت بالمخرج من شهادة غيره أو شهادة نفسه، فوجب عليه الحد لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) * (النور: 4) وإذا ثبت ذلك في حق الرجل ثبت في حق المرأة لأنه لا قائل بالفرق وخامسها: قوله عليه السلام لخولة: " فالرجم أهون عليك من غضب الله " وهو نص في الباب حجة أبي حنيفة رحمه الله، أما في حق المرأة فلأنها ما فعلت سوى أنها تركت اللعان، وهذا الترك ليس بينة على الزنا ولا إقرارا منها به، فوجب أن لا يجوز رجمها، لقوله عليه السلام: " لا يحل دم امرئ " الحديث. وإذا لم يجب الرجم إذا كانت محصنة لم يجب الجلد في غير المحصن لأنه لا قائل بالفرق، وأيضا فالنكول ليس بصريح في الإقرار فلم يجز إثبات الحد به كاللفظ المحتمل للزنا ولغيره. المسألة الرابعة: قال الجمهور إذا قال لها يا زانية وجب اللعان. وقال مالك رحمه الله لا يلاعن إلا أن يقول رأيتك تزني أو ينفي حملا لها أو ولدا منها، حجة الجمهور أن عموم قوله * (والذين يرمون المحصنات) * يتناول الكل، ولأنه لا تفاوت في قذف الأجنبية بين الكل، فكذا في حق قذف الزوجة. الطرف الثاني: الملاعن قال الشافعي رحمه الله من صح يمينه صح لعانه، فيجري اللعان بين الرقيقين والذميين والمحدودين، وكذا إذا كان أحدهما رقيقا أو كان الزوج مسلما والمرأة ذمية، قال أبو حنيفة رحمه الله لا يصح في صورتين إحداهما: أن تكون الزوجة ممن لا يجب على
(١٦٧)