النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن ابني كان عسيفا على هذا وزني بامرأته فافتديت منه بوليدة ومائة شاة، ثم أخبرني أهل العلم أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم فاقض بيننا، فقال عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما الغنم والوليدة فرد عليك، وأما ابنك فإن عليه جلد مائة وتغريب عام، ثم قال لرجل من أسلم أغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " واحتج أبو حنيفة رحمه الله على نفي التغريب بوجوه: أحدها: أن إيجاب التغريب يقتضي نسخ الآية ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز وقرروا النسخ من ثلاثة أوجه: الأول: أنه سبحانه رتب الجلد على فعل الزنا بالفاء وحرف الفاء للجزاء إلا أن أئمة اللغة قالوا اليمين بغير لله ذكر شرط وجزاء وفسروا الشرط بالذي دخل عليه كلمة إن والجزاء بالذي دخل عليه حرف الفاء والجزاء اسم له يقع به الكفاية مأخوذ من قولهم جازيناه أي كافأناه، وقال عليه السلام: " تجزيك ولا تجزي أحدا بعدك " أي تكفيك، ومنه قول القائل: اجتزت الإبل بالعشب بالماء وإنما تقع الكفاية بالجلد إذا لم يجب معه شيء آخر فإيجاب شيء آخر يقتضي نسخ كونه كافيا الثاني: أن المذكور في الآية لما كان هو الجلد فقط كان ذلك كمال الحد فلو جعلنا النفي معتبرا مع الجلد لكان الجلد بعض الحد لا كل الحد فيفضي إلى نسخ كونه كل الحد الثالث: إن بتقدير كون الجلد كمال الحد فإنه يتعلق بذلك رد الشهادة ولو جعلناه بعض الحد لزال ذلك الحكم، فثبت أن إيجاب التغريب يقتضي نسخ الآية ثانيها: قال أبو بكر الرازي لو كان النفي مشروعا مع الجلد لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم عند تلاوة الآية توقيف الصحابة عليه لئلا يعتقدوا عند سماع الآية أن الجلد هو كمال الحد ولو كان كذلك لكان اشتهاره مثل اشتهار الآية، فلما لم يكن خبر النفي بهذه المنزلة بل كان وروده من طريق الآحاد علم أنه غير معتبر وثالثها: ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأمة: " إذا زنت فاجلدوها، فإن زنت فاجلدوها، فإن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بطفير " وفي رواية أخرى: " فليجلدها الحد ولا تثريب عليه " ووجه الاستدلال به أنه لو كان النفي ثابتا لذكره مع الجلد ورابعها: أنه إما أن يشرع التغريب في حق الأمة أو لا يشرع، ولا جائز أن يكون مشروعا لأنه يلزم منه الإضرار بالسيد من غير جناية صدرت منه وهو غير جائز، ولأنه قال صلى الله عليه وسلم: " بيعوها ولو بطفير " ولو وجب نفيها لما جاز بيعها لأن المكنة من تسليمها إلى المشتري لا تبقى بالنفي ولا جائز أن لا يكون مشروعا لقوله تعالى: * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * (النساء: 25) وخامسها: أن التغريب لو كان مشروعا في حق الرجل لكان إما أن يكون مشروعا في حق المرأة أو لا يكون، والثاني باطل لأن التساوي في الجناية قد وجد في حقهما، وإن كان مشروعا في حق المرأة فإما أن يكون مشروعا في حقها وحدها أو مع ذي محرم والأول غير جائز للنص والمعقول، أما النص فقوله عليه السلام: " لا يحل لامرأة أن تسافر من غير ذي محرم " وأما المعقول فهو أن
(١٣٦)