اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقؤا عينه فقد هدرت عينه " قال أبو بكر الرازي: هذا الخبر يرد لوروده على خلاف قياس الأصول، فإنه لا خلاف أنه لو دخل داره بغير إذنه ففقأ عينه كان ضامنا وكان عليه القصاص إن كان عامدا والأرش إن كان مخطئا، ومعلوم أن الداخل قد اطلع وزاد على الاطلاع، فظاهر الحديث مخالف لما حصل عليه الاتفاق، فإن صح فمعناه: من اطلع في دار قوم ونظر إلى حرمهم ونسائهم فمونع فلم يمتنع فذهبت عينه في حال الممانعة فهي هدر، فأما إذا لم يكن إلا النظر ولم يقع فيه ممانعة ولا نهي، ثم جاء إنسان ففقأ عينه، فهذا جان يلزمه حكم جنايته لظاهر قوله تعالى: * (العين بالعين) * إلى قوله: * (والجروح قصاص) * (المائدة: 45) واعلم أن التمسك بقوله تعالى: * (والعين بالعين) * في هذه المسألة ضعيف، لأنا أجمعنا على أن هذا النص مشروط بما إذا لم تكن العين مستحقة، فإنها لو كانت مستحقة لم يلزم القصاص، فلم قلت: إن من اطلع في دار إنسان لم تكن عينه مستحقة؟ وهذا أول المسألة.
أما قوله: إنه لو دخل لم يجز فقء عينه، فكذا إذا نظر قلنا الفرق بين الأمرين ظاهر، لأنه إذا دخل علم القوم دخوله عليهم فاحترزوا عنه وتستروا، فأما إذا نظر فقد لا يكونون عالمين بذلك فيطلع منهم على ما لا يجوز الاطلاع عليه، فلا يبعد في حكم الشرع أن يبالغ ههنا في الزجر حسما لباب هذه المفسدة، وبالجملة فرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا القدر من الكلام غير جائز.
السؤال الثامن: لما بينتم أنه لا بد من الإذن فهل يكفي الإذن كيف كان أو لا بد من إذن مخصوص؟ الجواب: ظاهر الآية يقتضي قبول الإذن مطلقا سواء كان الآذان صبيا أو امرأة أو عبدا أو ذميا فإنه لا يعتبر في هذا الإذن صفات الشهادة وكذلك قبول أخبار هؤلاء في الهدايا ونحوها.
السؤال التاسع: هل يعتبر الاستئذان على المحارم؟ والجواب: نعم، عن عطاء بن يسار: " أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أستأذن على أختي؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام نعم أتحب أن تراها عريانة " وسأل رجل حذيفة أستأذن على أختي، فقال إن لم تستأذن عليها رأيت ما يسوؤك، وقال عطاء سألت ابن عباس رضي الله عنهما استأذن على أختي ومن أنفق عليها؟ قال نعم إن الله تعالى يقول: * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) * (النور: 59) ولم يفرق بين من كان أجنبيا أو ذا رحم محرم.
واعلم أن ترك الاستئذان على المحارم وإن كان غير جائز إلا أنه أيسر لجواز النظر إلى شعرها وصدرها وساقها ونحوها من الأعضاء. والتحقيق فيه أن المنع من الهجوم على الغير إن كان لأجل أن ذلك الغير ربما كان منكشف الأعضاء فهذا دخل فيه الكل إلا الزوجات وملك اليمين، وإن كان لأجل أنه ربما كان مشتغلا بأمر يكره إطلاع الغير عليه وجب أن يعم في الكل، حتى لا يكون له أن يدخل على الزوجة والأمة إلا بإذن.