والقول الثاني: أن هذا الحكم صار منسوخا واختلفوا في ناسخه، فعن الجبائي أن ناسخه هو الإجماع وعن سعيد بن المسيب أنه منسوخ بعموم قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * (النساء: 3) * (وأنكحوا الأيامى) * (النور: 32) قال المحققون هذان الوجهان ضعيفان أما الأول: فلأنه ثبت في أصول الفقه أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به، وأيضا فالإجماع الحاصل عقيب الخلاف لا يكون حجة، والإجماع في هذه المسألة مسبوق بمخالفة أبي بكر وعمر وعلي فكيف يصح؟
وأما قوله تعالى: * (فانكحوا ما طاب لكم) * فهو لا يصح أن يكون ناسخا، لأنه لا بد من أن يشترط فيه أن لا يكون هناك مانع من النكاح من سبب أو نسب أو غيرهما، ولقائل أن يقول لا يدخل فيه تزويج الزانية من المؤمن، كما لا يدخل فيه تزويجها من الأخ وابن الأخ، ونقول إن للزنا تأثيرا في الفرقة ما ليس لغيره، ألا ترى أنه إذا قذفها بالزنا يتبعها بالفرقة على بعض الوجوه، ولا يجب مثل ذلك في سائر ما يوجب الحد، ولأن من حق الزنا أن يورث العار ويؤثر في الفراش ففارق غيره. ثم احتج هؤلاء الذين يدعون هذا النسخ، بأنه سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل زنى بامرأة فهل له أن يتزوجها؟ فأجازه ابن عباس وشبهه بمن سرق ثمر شجرة ثم اشتراه، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك فقال: " أوله سفاح وآخره نكاح " والحرام لا يحرم الحلال. الوجه الرابع: أن يحمل النكاح على الوطء والمعنى أن الزاني لا يطأ حين يزني إلا زانية أو مشركة وكذا الزانية * (وحرم ذلك على المؤمنين) * أي وحرم الزنا على المؤمنين وعلى هذا تأويل أبي مسلم، قال الزجاج هذا التأويل فاسد من وجهين: الأول: أنه ما ورد النكاح في كتاب الله تعالى إلا بمعنى التزويج، ولم يرد البتة بمعنى الوطء الثاني: أن ذلك يخرج الكلام عن الفائدة، لأنا لو قلنا المراد أن الزاني لا يطأ إلا الزانية فالإشكال عائد، لأنا نرى أن الزاني قد يطأ العفيفة حين يتزوج بها ولو قلنا المراد أن الزاني لا يطأ إلا الزانية حين يكون وطؤه زنا فهذا الكلام لا فائدة فيه، وهذا آخر الكلام في هذا المقام.
السؤال الثالث: أي فرق بين قوله: * (الزاني لا ينكح إلا زانية) * وبين قوله: * (والزانية لا ينكحها إلا زان) *؟ والجواب: الكلام الأول يدل على أن الزاني لا يرغب إلا في نكاح الزانية وهذا لا يمنع من أن يرغب في نكاح الزانية غير الزاني فلا جرم بين ذلك بالكلام الثاني.
السؤال الرابع: لم قدمت الزانية على الزاني في الآية المتقدمة وههنا بالعكس الجواب: سبقت تلك الآية لعقوبتها على جنايتها، والمرأة هي المادة في الزنا، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه هو الراغب والطالب.
الحكم الثالث القذف قوله تعالى * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهدآء