الثالث: الواجب على المكلف في كل محرم أن يستعظم الإقدام عليه، إذ لا يأمن أنه من الكبائر، وقيل لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار. النوع الخامس قوله تعالى * (ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنآ أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم) *.
وهذا من باب الآداب، أي هلا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، وإنما وجب عليهم الامتناع منه لوجوه: أحدها: أن المقتضى لكونهم تاركين لهذا الفعل قائم وهو العقل والدين، ولم يوجد ما يعارضه فوجب أن يكون ظن كونهم تاركين للمعصية أقوى من ظن كونهم فاعلين لها، فلو أنه أخبر عن صدور المعصية لكان قد رجح المرجوح على الراجح وهو غير جائز وثانيها: وهو أنه يتضمن إيذاء الرسول وذلك سبب للعن لقوله تعالى: * (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) * (الأحزاب: 57) وثالثها: أنه سبب لإيذاء عائشة وإيذاء أبويها ومن يتصل بهم من غير سبب عرف إقدامهم عليه، ولا جناية عرف صدورها عنهم، وذلك حرام ورابعها: أنه إقدام على ما يجوز أن يكون سببا للضرر مع الاستغناء عنه، والعقل يقتضي التباعد عنه لأن القاذف بتقدير كونه صادقا لا يستحق الثواب على صدقه بل يستحق العقاب لأنه أشاع الفاحشة، وبتقدير كونه كاذبا فإنه يستحق العقاب العظيم، ومثل ذلك مما يقتضي صريح العقل الاحتراز عنه وخامسها: أنه تضييع للوقت بما لا فائدة فيه، وقال عليه الصلاة والسلام: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " وسادسها: أن في إظهار محاسن الناس وستر مقابحهم تخلقا بأخلاق الله تعالى، وقال عليه السلام: " تخلقوا بأخلاق الله " فهذه الوجوه توجب على العاقل أنه إذا سمع القذف أن يسكت عنه وأن يجتهد في الاحتراز عن الوقوع فيه، فإن قيل كيف جاز الفصل بين لولا وبين قلتم بالظرف؟ قلنا الفائدة فيه أنه كان الواجب عليهم أن يحترزوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به.
أما قوله: * (سبحانك هذا بهتان عظيم) * ففيه سؤالان:
السؤال الأول: كيف يليق سبحانك بهذا الموضع؟ الجواب: من وجوه: الأول: المراد منه التعجب من عظم الأمر، وإنما استعمل في معنى التعجب لأنه يسبح الله عند رؤية العجيب من صانعه ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه الثاني: المراد تنزيه الله تعالى عن أن تكون زوجة نبيه فاجرة الثالث: أنه منزه عن أن يرضى بظلم هؤلاء الفرقة المفترين الرابع: أنه منزه عن أن لا يعاقب هؤلاء القذفة الظلمة.