من مال الله تعالى وما أطلق عليه هذه الإضافة فهو ما كان سبيله الصدقة وصرفه في وجوه القرب. وثانيها: أن قوله: * (من مال الله الذي آتاكم) * هو الذي قد صح ملكه للمالك وأمر بإخراج بعضه، ومال الكتابة ليس بدين صحيح لأنه على عبده والمولى لا يثبت له على عبده دين صحيح. وثالثها: أن ما آتاه الله فهو الذي يحصل في يده ويمكنه التصرف فيه، وما سقط عقيب العقد لم يحصل له عليه يد ملك، فلا يستحق الصفة بأنه من مال الله الذي آتاه، فإن قيل ههنا وجهان يقدحان في صحة هذا التأويل أحدهما: أنه كيف يحل لمولاه إذا كان غنيا أن يأخذ من مال الصدقة. والثاني: أن قوله: * (وآتوهم) * معطوف على قوله: * (فكاتبوهم) * فيجب أن يكون المخاطب في الموضعين واحدا، وعلى هذا التأويل يكون المخاطب في الآية الأولى السادات، وفي الثانية سائر المسلمين قلنا: أما الأول فجوابه أن تلك الصدقة تحل لمولاه وكذلك إذا لم تقف الصدقة بجميع النجوم وعجز عن أداء الباقي كان للمولى ما أخذه لأنه لم يأخذه بسبب الصدقة، ولكن بسبب عقد الكتابة كمن اشترى الصدقة من الفقير أو ورثها منه. يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام في حديث بريرة " هو لها صدقة ولنا هدية " والجواب: عن الثاني أنه قد يصح الخطاب لقوم ثم يعطف عليه بمثل لفظه خطابا لغيرهم، كقوله تعالى: * (وإذا طلقتم النساء) * (البقرة: 231) فالخطاب للأزواج ثم خاطب الأولياء بقوله: * (فلا تعضلوهن) * وقوله: * (مبرؤون مما يقولون) * والقائلون غير المبرئين فكذا ههنا قال للسادة * (فكاتبوهم) * وقال لغيرهم * (وآتوهم) * أو قال لهم ولغيرهم.
المسألة الثانية: قال الشافعي رحمه الله يجب على المولى إيتاء المكاتب وهو أن يحط عنه جزءا من مال الكتابة أو يدفع إليه جزءا مما أخذ منه، وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه إنه مندوب إليه لكنه غير واجب، حجة الشافعي رحمه الله ظاهر قوله: * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * والأمر للوجوب فقيل عليه إن قوله: * (فكاتبوهم) * وقوله: * (وآتوهم) * أمران وردا في صورة واحدة فلم جعلت الأولى ندبا والثاني إيجابا؟ وأيضا فقد ثبت أن قوله * (وآتوهم) * ليس خطابا مع الموالي بل مع عامة المسلمين. حجة أبي حنيفة رحمه الله من حيث السنة والقياس، أما السنة فما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه عليه الصلاة والسلام قال: " أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشر أواق فهو عبد " فلو كان الحط واجبا لسقط عنه بقدره، وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: " جاءتني بريرة فقالت يا عائشة إني قد كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعيتني ولم تكن قضت من كتابتها شيئا فقالت عائشة رضي الله عنها ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعا ويكون ولاؤك لي فعلت، فأبوا فذكرت ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا يمنعك ذلك منها ابتاعي وأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق " وجه الاستدلال أنها ما قضت من كتابتها شيئا وأرادت عائشة أن تؤدي عنها كتابتها بالكلية وذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وترك رسول الله النكر عليها، ولم يقل إنها تستحق أن يحط عنها بعض كتابتها فثبت قولنا. وأما القياس فمن وجهين الأول: لو كان الإيتاء واجبا لكان وجوبه متعلقا بالعقد فيكون العقد موجبا