المسألة الثالثة: قالوا أشد الضرب في الحدود ضرب الزنا، ثم ضرب شرب الخمر، ثم ضرب القاذف، لأن سبب عقوبته محتمل للصدق والكذب، إلا أنه عوقب صيانة للأعراض وزجرا عن هتكها.
المسألة الرابعة: قال مالك والشافعي حد القذف يورث، فإذا مات المقذوف قبل استيفاء الحد وقبل العفو يثبت لوارثه حد القذف، وكذلك إذا كان الواجب بقذفه التعزير، فإنه يورث عنه، وكذا لو أنشأ القذف بعد موت المقذوف ثبت لوارثه طلب الحد. وعند أبي حنيفة رحمه الله: حد القذف لا يورث ويسقط بالموت. حجة الشافعي رحمه الله، أن حد القذف هو حق الآدمي لأنه يسقط بعفوه ولا يستوفي إلا بطلبه ويحلف فيه المدعى عليه إذا أنكر، وإذا كان حق الآدمي وجب أن يورث لقوله عليه السلام: " ومن ترك حقا فلورثته " حجة أبي حنيفة رحمه الله: أنه لو كان موروثا لكان للزوج أو الزوجة فيه نصيب، ولأنه حق ليس فيه معنى المال والوثيقة فلا يورث كالوكالة والمضاربة والجواب: عن الأول أن الأصح عند الشافعية أنه يرثه جميع الورثة كالمال، وفيه وجه ثان أنه يرثه كلهم إلا الزوج والزوجة، لأن الزوجية ترتفع بالموت، ولأن المقصود من الحد دفع العار عن النسب، وذلك لا يلحق الزوج والزوجة.
المسألة الخامسة: إذا قدف إنسان إنسانا بين يدي الحاكم، أو قذف امرأته برجل بعينه والرجل غائب، فعلى الحاكم أن يبعث إلى المقذوف ويخبره بأن فلانا قذفك وثبت لك حد القذف عليه، كما لو ثبت له مال على آخر وهو لا يعلمه يلزمه إعلامه، وعلى هذا المعنى " بعث النبي صلى الله عليه وسلم أنيسا ليخبرها بأن فلانا قذفها بابنه ولم يبعثه ليتفحص عن زناها " قال الشافعي رحمه الله وليس للإمام إذا رمى رجل بزنا أن يبعث إليه فيسأله عن ذلك لأن الله تعالى قال: * (ولا تجسسوا) * وأراد به إذا لم يكن القاذف معينا، مثل إن قال رجل بين يدي الحاكم الناس يقولون إن فلانا زنى فلا يبعث الحاكم إليه فيسأله. أما قوله تعالى: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * فاختلف الفقهاء فيه، فقال أكثر الصحابة والتابعين إنه إذا تاب قبلت شهادته وهو قول الشافعي رحمه الله، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح رحمهم الله لا تقبل شهادة المحدود في القذف إذا تاب، وهذه المسألة مبنية على أن قوله: * (إلا الذين تابوا) * هل عاد إلى جميع الأحكام المذكورة أو اختص بالجملة الأخيرة، فعند أبي حنيفة رحمه الله الاستثناء المذكور عقيب الجمل الكثيرة مختص بالجملة الأخيرة، وعند الشافعي رحمه الله يرجع إلى الكل، وهذه المسألة قد لخصناها في أصول الفقه، ونذكر ههنا ما يليق بهذا الموضع إن شاء الله تعالى، احتج الشافعي رحمه الله على أن شهادته مقبولة بوجوه: أحدها: قوله عليه السلام: " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " ومن لا ذنب له مقبول الشهادة، فالتائب يجب أن يكون أيضا مقبول الشهادة وثانيها: أن الكافر يقذف فيتوب عن الكفر فتقبل شهادته بالإجماع، فالقاذف