(المسألة الثانية) لا شك أن ظاهر قوله (إن الذين يحبون) يفيد العموم وأنه يتناول كل من كان بهذه الصفة، ولا شك أن هذه الآية نزلت في قذف عائشة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فوجب إجزاؤها على ظاهرها في العموم، ومما يدل على أنه لا يجوز تخصيصها بقذفة عائشة قوله تعالى في (الذين آمنوا) فإنه صيغة جمع ولو أراد عائشة وحدها لم يجز ذلك، والذين خصصوه بقذفة عائشة منهم من حمله على عبد الله بن أبي، لأنه هو الذي سعى في إشاعة الفاحشة قالوا معنى الآية (إن الذين يحبون) والمراد عبد الله أن تشيع الفاحشة أي الزنا في الذين آمنوا أي في عائشة وصفوان.
(المسألة الثالثة) روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إني لأعرف قوما يضربون صدورهم ضربا يسمعه أهل النار، وهم الهمازون اللمازون الذين يلتمسون عورات المسلمين ويهتكون ستورهم ويشيعون فيهم من الفواحش ما ليس فيهم وعنه عليه الصلاة والسلام لا يستر عبد مؤمن عورة عبد مؤمن إلا ستره الله يوم القيامة ومن أقال مسلما صفقته أقال الله عترته يوم القيامة ومن ستر عورته ستر الله عورته يوم القيامة وعنه عليه الصلاة والسلام المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه وعن عبد الله بن عمر عنه عليه الصلاة والسلام قال من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويحب أن يؤتى إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه وعن أنس قال: قال عليه الصلاة والسلام لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير.
(المسألة الرابعة) اختلفوا في عذاب الدنيا، فقال بعضهم إقامة الحد عليهم، وقال بعضهم هو الحد واللعن والعداوة من الله والمؤمنين، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي وحسان لانهم قصدوا أن يغموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أراد غم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وعذابهم في الدنيا هو ما كانوا يتبعون فيه وينفقون لمقاتلة أوليائهم مع أعدائهم، وقال أبو مسلم: الذين يحبون هم المنافقون لقوله (جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) والأقرب أن المراد بهذا العذاب ما استحقوه بإفكهم وهو الحد واللعن والذم. فأما عذاب الآخرة فلا شك أنه في القبر عذابه، وفى القيامة عذاب النار.
أما قوله (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) فهو حسن الموقع بهذا الموضع لان محبة القلب كامنة ونحن لا نعلمها إلا بالأمارات، أما الله سبحانه فهو لا يخفى عليه شئ، فصار هذا الذكر نهاية في الزجر لان من أحب إشاعة الفاحشة وإن بالغ في أخفاء تلك المحبة فهو يعلم أن الله تعالى يعلم ذلك منه وإن علمه سبحانه بذلك الذي أخفاه كعلمه بالذي أظهره ويعلم قدر الجزاء عليه.