النوع الأول قوله تعالى * (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذآ إفك مبين) *.
وهذا من جملة الآداب التي كان يلزمهم الإتيان بها، و * (لولا) * معناه هلا وذلك كثير في اللغة إذا كان يليه الفعل كقوله: * (لولا أخرتني) * (المنافقون: 10) وقوله: * (فلولا كانت قرية آمنت) * (يونس: 98) فأما إذا وليه الاسم فليس كذلك كقوله: * (لولا أنتم لكنا مؤمنين) * (سبأ: 31) وقوله: * (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) * (النور: 10) والمراد كان الواجب على المؤمنين إذ سمعوا قول القاذف أن يكذبوه ويشتغلوا بإحسان الظن ولا يسرعوا إلى التهمة فيمن عرفوا فيه الطهارة، وههنا سؤالات:
السؤال الأول: هلا قيل لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيرا وقلتم فلم عدل عن الخطاب إلى الغيبة وعن المضمر إلى الظاهر؟ الجواب: ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات، وفي التصريح بلفظ الإيمان دلالة على أن الاشتراك فيه يقتضي أن لا يظن بالمسلمين إلا خيرا، لأن دينه يحكم بكون المعصية منشأ للضرر وعقله يهديه إلى وجوب الاحتراز عن الضرر، وهذا يوجب حصول الظن باحترازه عن المعصية، فإذا وجد هذا المقتضى للاحتراز ولم يوجد في مقابلته راجح يساويه في القوة وجب إحسان الظن، وحرم الإقدام على الطعن.
السؤال الثاني: ما المراد من قوله بأنفسهم؟ الجواب: فيه وجهان: الأول: المراد أن يظن بعضهم ببعض خيرا ونظيره قوله: * (ولا تلمزوا أنفسكم) * (الحجرات: 11) وقوله: * (فاقتلوا أنفسكم) * (البقرة: 54) وقوله: * (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم) * (النور: 61) ومعناه أي بأمثالكم من المؤمنين الذين هم كأنفسكم، روي أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال لأم أيوب أما ترين ما يقال؟ فقالت لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرم رسول الله سوءا؟ قال لا، قالت ولو كنت بدل عائشة ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعائشة خير مني وصفوان خير منك. وقال ابن زيد ذلك معاتبة للمؤمنين إذ المؤمن لا يفجر بأمه ولا الأم بابنها وعائشة رضي الله عنها هي أم المؤمنين والثاني: أنه جعل المؤمنين كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الأمور فإذا جرى على أحدهم مكروه فكأنه جرى على جميعهم. عن النعمان بن بشير قال عليه السلام: " مثل المسلمين في تواصلهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا وجع بعضه بالسهر والحمى وجع كله " وعن أبي بردة قال عليه السلام: " المؤمنون للمؤمنين كالبنيان يشد بعضه بعضا ".
السؤال الثالث: ما معنى قوله: * (هذا إفك مبين) * وهل يحل لمن يسمح ما لا يعرفه