القراءة: قرىء * (خاسر الدنيا والآخرة) * بالنصب والرفع فالنصب على الحال والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وفي حرف عبد الله * (من ضره) * بغير لام، واعلم أنه تعالى لما بين حال المظهرين للشرك المجادلين فيه على ما ذكرنا عقبه بذكر المنافقين فقال: * (ومن الناس من يعبد الله على حرف) * وفي تفسير الحرف وجهان: الأول: ما قاله الحسن وهو أن المرء في باب الدين معتمدة القلب واللسان فهما حرفا الدين، فإذا وافق أحدهما الآخر فقد تكامل في الدين وإذا أظهر بلسانه الدين لبعض الأغراض وفي قلبه النفاق جاز أن يقال فيه على وجه الذم يعبد الله على حرف الثاني: قوله: * (على حرف) * أي على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه، وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون طمأنينة كالذي يكون على طرف من العسكر فإن أحس بغنيمة قر واطمأن وإلا فر وطار على وجهه. وهذا هو المراد * (فإن أصابه خير طمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه) * لأن الثبات في الدين إنما يكون لو كان الغرض منه إصابة الحق وطاعة الله والخوف من عقابه فأما إذا كان غرضه الخير المعجل فإنه يظهر الدين عند السراء ويرجع عنه عند الضراء فلا يكون إلا منافقا مذموما وهو مثل قوله تعالى: * (مذبذبين بين ذلك) * (النساء: 143) وكقوله: * (فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم) * (النساء: 141).
المسألة الثانية: قال الكلبي: نزلت هذه الآية في أعراب كانوا يقدمون على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة مهاجرين من باديتهم فكان أحدهم إذا صح بها جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا وولدت امرأته غلاما وكثر ماله وماشيته رضي به واطمأن إليه وإن أصابه وجع وولدت امرأته جارية أو أجهضت رماكه وذهب ماله وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان وقال له ما جاءتك هذه الشرور إلا بسبب هذا الدين فينقلب عن دينه. وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير والحسن ومجاهدة وقتادة وثانيها: وهو قول الضحاك نزلت في المؤلفة قلوبهم، منهم عيينة بن بدر والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس قال بعضهم لبعض ندخل في دين محمد فإن أصبنا خيرا عرفنا أنه حق، وإن أصبنا غير ذلك عرفنا أنه باطل وثالثها: قال أبو سميد الخدري: " أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فقال يا رسول الله أقلني فإني لم أصب من ديني هذا خيرا، ذهب بصري وولدي ومالي. فقال صلى الله عليه وسلم: إن الإسلام لا يقال، إن الإسلام ليسبك كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة " فنزلت هذه الآية.
وأما قوله: * (وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه) * ففيه سؤالات: الأول: كيف قال: * (وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه) * والخير أيضا فتنة لأنه امتحان وقال تعالى: * (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) *، والجواب: مثل هذا كثير في اللغة لأن النعمة بلاء وابتلاء لقوله: * (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه) * (الفجر: 15) ولكن إنما يطلق اسم البلاء على ما يثقل على الطبع، والمنافق ليس عنده الخير إلا الخير الدنيوي، وليس عنده الشر إلا الشر الدنيوي، لأنه لا دين له. فلذلك وردت