والسلام، كان يحب أن يصيب مالا لينفقه في سبيلك، فزويت ذلك عنه نظرا. ثم إن أبا بكر كان يحب ذلك، اللهم لا يكن ذلك مكرا منك بعمر. ثم تلا: * (أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين) * الوجه الثاني: وهو أنه سبحانه إنما أعطاهم هذه النعم ليكونوا فارغي البال، متمكنين من الاشتغال بكلف الحق، فإذا أعرضوا عن الحق والحالة هذه، كان لزوم الحجة عليهم أقوى، فلذلك قال: * (بل لا يشعرون) *.
قوله تعالى * (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم بايات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم لا يشركون * والذين يؤتون مآ ءاتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون فى الخيرات وهم لها سابقون) *.
إعلم أنه تعالى لما ذم من تقدم ذكره بقوله: * (أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين، نسارع لهم في الخيرات) * ثم قال: * (بل لا يشعرون) * بين بعده صفات من يسارع في الخيرات ويشعر بذلك وهي أربعة:
الصفة الأولى: قوله: * (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون) * والإشفاق يتضمن الخشية مع زيادة رقة وضعف، فمنهم من قال: جمع بينهما للتأكيد، ومنهم من حمل الخشية على العذاب، والمعنى الذين هم من عذاب ربهم مشفقون، وهو قول الكلبي ومقاتل، ومنهم من حمل الإشفاق على أثره وهو الدوام في الطاعة، والمعنى الذين هم من خشية ربهم دائمون في طاعته، جادون في طلب مرضاته. والتحقيق أن من بلغ في الخشية إلى حد الإشفاق وهو كمال الخشية، كان في نهاية الخوف من سخط الله عاجلا، ومن عقابه آجلا، فكان في نهاية الاحتراز عن المعاصي. الصفة الثانية: قوله: * (والذين هم بآيات ربهم يؤمنون) * واعلم أن آيات الله تعالى هي المخلوقات الدالة على وجوده، والإيمان بها هو التصديق بها، والتصديق بها إن كان بوجودها فذلك معلوم بالضرورة، وصاحب هذا التصديق لا يستحق المدح، وإن كان بكونها آيات ودلائل على وجود الصانع فذلك مما لا يتوصل إليه إلا بالنظر والفكر، وصاحبه لا بد وأن يصير عارفا