كون العبد خالقا بمعنى كونه مقدرا، لكن لم قلت بأنه خالق بمعنى كونه موجدا.
المسألة الثانية: قالت المعتزلة الآية تدل على أن كل ما خلقه حسن وحكمة وصواب وإلا لما جاز وصفه بأنه أحسن الخالقين، وإذا كان كذلك وجب أن لا يكون خالقا للكفر والمعصية فوجب أن يكون العبد هو الموجد لهما؟ والجواب: من الناس من حمل الحسن على الإحكام والاتقان في التركيب والتأليف، ثم لو حملناه على ما قالوه فعندنا أنه يحسن من الله تعالى كل الأشياء لأنه ليس فوقه أمر ونهي حتى يكون ذلك مانعا له عن فعل شيء.
المسألة الثالثة: روى الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب هذه الآيات لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتهى إلى قوله تعالى: * (خلقا آخر) * عجب من ذلك فقال: * (فتبارك الله أحسن الخالقين) * فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اكتب فهكذا نزلت " فشك عبد الله وقال إن كان محمد صادقا فيما يقول فإنه يوحى إلي كما يوحى إليه، وإن كان كاذبا فلا خير في دينه فهرب إلى مكة فقيل إنه مات على الكفر، وقيل إنه أسلم يوم الفتح، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية قال عمر بن الخطاب: * (فتبارك الله أحسن الخالقين) * فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا نزلت يا عمر. وكان عمر يقول: وافقني ربي في أربع، في الصلاة خلف المقام، وفي ضرب الحجاب على النسوة، وقولي لهن: لتنتهن أو ليبدلنه الله خيرا منكن، فنزل قوله تعالى: * (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) * (التحريم: 5) والرابع قلت: * (فتبارك الله أحسن الخالقين) * فقال هكذا نزلت. قال العارفون هذه الواقعة كانت سبب السعادة لعمر، وسبب الشقاوة لعبد الله كما قال تعالى: * (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) * (البقرة: 26) فإن قيل فعلى كل الروايات قد تكلم البشر ابتداء بمثل نظم القرآن، وذلك يقدح في كونه معجزا كما ظنه عبد الله والجواب: هذا غير مستبعد إذا كان قدره القدر الذي لا يظهر فيه الإعجاز فسقطت شبهة عبد الله.
المرتبة الثامنة: قوله: * (ثم إنكم بعد ذلك لميتون) * قرأ ابن أبي عبلة وابن محيصن * (لمائتون) * والفرق بين الميت والمائت، أن الميت كالحي صفة ثابتة، وأما المائت فيدل على الحدوث تقول زيد ميت الآن ومائت غدا، وكقولك يموت ونحوهما ضيق وضائق في قوله: * (وضائق به صدرك) * (هود: 12).
المرتبة التاسعة: قوله: * (ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) * فالله سبحانه جعل الإماتة التي هي إعدام الحياة والبعث الذي هو إعادة ما يفنيه ويعدمه دليلين أيضا على اقتدار عظيم بعد الإنشاء والاختراع وههنا سؤالات:
السؤال الأول: ما الحكمة في الموت، وهلا وصل نعيم الآخرة وثوابها بنعيم الدنيا فيكون ذلك في الأنعام أبلغ؟ والجواب: هذا كالمفسدة في حق المكلفين لأنه متى عجل للمرء الثواب فيما يتحمله من المشقة في الطاعات صار إتيانه بالطاعات لأجل تلك المنافع لا لأجل طاعة الله، يبين ذلك أنه لو قيل لمن يصلي ويصوم إذا فعلت ذلك أدخلناك الجنة في الحال، فإنه لا يأتي بذلك الفعل