المسألة الثالثة: السحق من النسوان وإتيان الميتة والاستمناء باليد لا يشرع فيها إلا التعزيز.
البحث الثاني: عن أحكام الزنا. واعلم أنه كان في أول الإسلام عقوبة الزاني الحبس إلى الممات في حق الثيب، والأذى بالكلام في حق البكر. قال الله تعالى: * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا * واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) * (النساء: 15، 16) ثم نسخ ذلك فجعل حد الزنا على الثيب الرجم وحد البكر الجلد والتغريب، ولنذكر هاتين المسألتين:
المسألة الأولى: الخوارج أنكروا الرجم واحتجوا فيه بوجوه: أحدها: قوله تعالى: * (فعليهن نصف ما على المحصنات) * (النساء: 25) فلو وجب الرجم على المحصن لوجب نصف الرجم على الرقيق لكن الرجم لا نصف لها وثانيها: أن الله سبحانه ذكر في القرآن أنواع المعاصي من الكفر والقتل والسرقة، ولم يستقص في أحكامها كما استقصى في بيان أحكام الزنا، ألا ترى أنه تعالى نهى عن الزنا بقوله: * (ولا تقربوا الزنى) * (الإسراء: 32) ثم توعد عليه ثانيا بالنار كما في كل المعاصي، ثم ذكر الجلد ثالثا ثم خص الجلد بوجوب إحضار المؤمنين رابعا، ثم خصه بالنهي عن الرأفة عليه بقوله: * (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله) * خامسا، ثم أوجب على من رمى مسلما بالزنا ثمانين جلدة، وسادسا، لم يجعل ذلك على من رماه بالقتل والكفر وهما أعظم منه، ثم قال سابعا: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) * ثم ذكر ثامنا من رمى زوجته بما يوجب التلاعن واستحقاق غضب الله تعالى ثم ذكر تاسعا أن * (الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) * (النور: 3)، ثم ذكر عاشرا أن ثبوت الزنا مخصوص بالشهود الأربعة فمع المبالغة في استقصاء أحكام الزنا قليلا وكثيرا لا يجوز إهمال ما هو أجل أحكامها وأعظم آثارها، ومعلوم أن الرجم لو كان مشروعا لكان أعظم الآثار فحيث لم يذكره الله تعالى في كتابه دل على أنه غير واجب وثالثها: قوله تعالى: * (الزانية والزاني فاجلدوا) * يقتضي وجوب الجلد على كل الزناة، وإيجاب الرجم على البعض بخبر الواحد يقتضي تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد، وهو غير جائز. لأن الكتاب قاطع في متنه، وخبر الواحد غير قاطع في متنه، والمقطوع راجح على المظنون، واحتج الجمهور من المجتهدين على وجوب رجم المحصن لما ثبت بالتواتر أنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك، قال أبو بكر الرازي روى الرجم أبو بكر وعمر وعلي وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وزيد بن خالد في آخرين من الصحابة وبعض هؤلاء الرواة روى خبر رجم ماعز وبعضهم خبر اللخمية والغامدية وقال عمر رضي الله عنه: لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لأثبته في المصحف. والجواب: عما احتجوا به أولا أنه مخصوص بالجلد. فإن قيل فيلزم تخصيص القرآن بخبر الواحد قلنا بل بالخبر المتواتر لما بينا أن الرجم منقول بالتواتر، وأيضا فقد بينا في أصول الفقه أن تخصيص القرآن بخبر الواحد جائز والجواب: عن الثاني أنه لا يستبعد تجدد الأحكام الشرعية بحسب تجدد المصالح