يضرب الحد في التعريض. وروي أيضا أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال أحدهما للآخر: والله ما أنا بزان ولا أمي بزانية، فاستشار عمر الناس في ذلك، فقال قائل: مدح أباه وأمه، وقال آخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا، فجلده عمر ثمانين جلدة والجواب: أن في مشاورة عمر الصحابة في حكم التعريض دلالة على أنه لم يكن عندهم فيه توقيف، وأنهم قالوا رأيا واجتهادا.
المسألة الثانية: في تعدد القذف اعلم أنه إما أن يقذف شخصا واحدا مرارا أو يقذف جماعة، فإن قذف واحدا مرارا نظر إن كان أراد بالكل زانية واحدة بأن قال: زنيت بعمرو قاله مرارا لا يجب إلا حد واحد، ولو أنشأ الثاني بعدما حد للأول عزر للثاني، وإن قذفها بزنيات مختلفة بأن قال زنيت بزيد، ثم قال زنيت بعمرو، فهل يتعدد الحد أم لا؟ فيه قولان: أحدهما: يتعدد اعتبارا باللفظ ولأنه من حقوق العباد فلا يقع فيه التداخل كالديون والثاني: وهو الأصح يتداخل فلا يجب فيه إلا حد واحد لأنهما حدان من جنس واحد لمستحق واحد فوجب أن يتداخل كحدود الزنا، ولو قذف زوجته مرارا، فالأصح أنه يكتفي بلعان واحد سواء قلنا يتعدد الحد أو لا يتعدد. أما إذا قذف جماعة معدودين نظر، إن قذف كل واحد بكلمة يجب عليه لكل واحد حد كامل، وعند أبي حنيفة رحمه الله: لا يجب عليه إلا حد واحد. واحتج أبو بكر الرازي على قول أبي حنيفة بالقرآن والسنة والقياس.
أما القرآن فهو قوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات) * والمعنى أن كل أحد يرمي المحصنات وجب عليه الجلد، وذلك يقتضي أن قاذف جماعة من المحصنات لا يجلد أكثر من ثمانين فمن أوجب على قاذف جماعة المحصنات أكثر من حد واحد فقد خالف الآية.
وأما السنة: فما روى عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي عليه السلام: " لا، البينة أو حد في ظهرك " فلم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم على هلال إلا حدا واحدا مع قذفه لامرأته ولشريك بن سحماء، إلى أن نزلت آية اللعان فأقيم اللعان في الزوجات مقام الحد في الأجنبيات.
وأما القياس: فهو أن سائر ما يوجب الحد إذا وجد منه مرارا لم يجب إلا حد واحد كمن زنى مرارا أو شرب مرارا أو سرق مرارا فكذا ههنا، والمعنى الجامع دفع مزيد الضرر والجواب: عن الأول أن قوله: * (والذين) * صيغة جمع، وقوله: * (المحصنات) * صيغة جمع، والجمع إذا قوبل بالجمع يقابل الفرد بالفرد فيصير المعنى كل من رمى محصنا واحدا وجب عليه الجد، وعند ذلك يظهر وجه تمسك الشافعي رحمه الله بالآية، ولأن قوله: * (والذين يرمون المحصنات..... فاجلدوهم) * يدل على ترتيب الجلد على رمي المحصنات وترتيب الحكم على الوصف، لا سيما إذا كان مناسبا فإنه مشعر بالعلية، فدلت الآية على أن رمي المحصن من حيث إنه هذا المسمى يوجب الجلد إذا ثبت