المسألة الثانية: اختلف النحويون في إعراب قوله: * (لمن ضره أقرب) *.
أما قوله: * (لبئس المولى ولبئس العشير) * فالمولى هو الولي والناصر، والعشير الصاحب والمعاشر، واعلم أن هذا الوصف بالرؤساء أليق لأن ذلك لا يكاد يستعمل في الأوثان، فبين تعالى أنهم يعدلون عن عبادة الله تعالى الذي يجمع خير الدنيا والآخرة إلى عبادة الأصنام وإلى طاعة الرؤساء، ثم ذم الرؤساء بقوله: * (لبئس المولى) * والمراد ذم من انتصر بهم والتجأ إليهم.
قوله تعالى * (إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الانهار إن الله يفعل ما يريد * من كان يظن أن لن ينصره الله فى الدنيا والاخرة فليمدد بسبب إلى السمآء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ * وكذلك أنزلناه ءايات بينات وأن الله يهدى من يريد) *.
إعلم أنه سبحانه لما بين في الآية السابقة حال عبادة المنافقين وحال معبودهم، بن في هذه الآية صفة عبادة المؤمنين وصفة معبودهم، أما عبادتهم فقد كانت على الطريق الذي لا يمكن صوابه، وأما معبودهم فلا يضر ولا ينفع. وأما المؤمنون فعبادتهم حقيقية ومعبودهم يعطيهم أعظم المنافع وهو الجنة، ثم بين كمال الجنة التي تجمع بين الزرع والشجر وأن تجري من تحتها الأنهار وبين تعالى أنه يفعل ما يريد بهم من أنواع الفضل والإحسان زيادة على أجورهم كما قال تعالى: * (فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) * واحتج أصحابنا في خلق الأفعال بقوله سبحانه: * (إن الله يفعل ما يريد) * قالوا: أجمعنا على أنه سبحانه يريد الإيمان ولفظة ما للعموم فوجب أن يكون فاعلا للإيمان لقوله: * (إن الله يفعل ما يريد) * أجاب الكعبي عنه بأن الله تعالى يفعل ما يريد أن يفعله لا ما يريد أن يفعله غيره. والجواب: أن قوله ما يريد أعم من قولنا ما يريد أن يفعله ومن قولنا ما يريد أن يفعله غيره فالتقييد خلاف النص.
أما قوله: * (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة) * فالهاء إلى ماذا يرجع؟ فيه وجهان: الأول: وهو قول ابن عباس والكلبي ومقاتل والضحاك وقتادة وابن زيد والسدي، واختيار الفراء والزجاج أنه يرجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم يريد أن من ظن أن لن ينصر الله محمدا صلى الله عليه وسلم في الدنيا بإعلاء كلمته