يبعث أعداءه على إيذائه، وكذلك القول في المؤمنين، لأن الشيطان يكيدهم بهذين الوجهين، ومعلوم أن من ينقطع إلى الله تعالى ويسأله أن يعيذه من الشيطان، فإنه يجب أن يكون متذكرا متيقظا فيما يأتي ويذر، فيكون نفس هذا الانقطاع إلى الله تعالى داعية إلى التمسك بالطاعة وزاجرا عن المعصية، قال الحسن كان عليه السلام يقول بعد استفتاح الصلاة " لا إله إلا الله ثلاثا، الله أكبر ثلاثا، اللهم إني أعوذ بك من همزات الشياطين همزه ونفثه ونفخه، فقيل يا رسول الله وما همزه؟ قال الموتة التي تأخذ ابن آدم - أي الجنون الذي يأخذ ابن آدم - قيل فما نفثه؟ قال الشعر قيل فما نفخه؟ قال الكبر وثانيها: قوله: * (وأعوذ بك رب أن يحضرون) * وفيه وجهان: أحدهما: أن يحضرون عند قراءة القرآن لكي يكون متذكرا فيقل سهوه، وقال آخرون بل استعاذ بالله من نفس حضورهم لأنه الداعي إلى وسوستهم كما يقول المرء أعوذ بالله من خصومتك بل أعوذ بالله من لقائك، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اشتكى إليه رجل أرقا يجده فقال: " إذا أردت النوم فقل أعوذ بالله وبكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ".
أما قوله: * (حتى إذا جاء أحدهم الموت) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف " حتى متعلق بيصفون أي لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض والتأكيد للإغضاء عنهم مستعينا بالله على الشيطان أنه يستزله عن الحلم والله أعلم.
المسألة الثانية: اختلفوا في قوله: * (حتى إذا جاء أحدهم الموت) * فالأكثرون على أنه راجع إلى الكفار وقال الضحاك كنت جالسا عند ابن عباس، فقال من لم يترك ولم يحج سأل الرجعة عند الموت، فقال واحد إنما يسأل ذلك الكفار فقال ابن عباس رضي الله عنهما أنا أقرأ عليك به قرآنا * (وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق) * (المنافقون: 10) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا حضر الإنسان الموت جمع كل شيء كان يمنعه من حقه بين يديه فعنده يقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت " والأقرب هو الأول إذا عرف المؤمن منزلته في الجنة فإذا شاهدها لا يتمنى أكثر منها، ولولا ذلك لكان أدونهم ثوابا يغتم بفقد ما يفقد من منزلة غيره وأما ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما من قوله: * (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت) * فهو إخبار عن حال الحياة في الدنيا لا عن حال الثواب فلا يلزم على ما ذكرنا.
المسألة الثالثة: اختلفوا في وقت مسألة الرجعة فالأكثرون على أنه يسأل في حال المعاينة لأنه عندها يضطر إلى معرفة الله تعالى وإلى أنه كان عاصيا ويصير ملجأ إلى أنه لا يفعل القبيح بأن يعلمه الله تعالى أنه لو رامه لمنع منه، ومن هذا حاله يصير كالممنوع من القبائح بهذا الإلجاء فعند ذلك يسأل الرجعة، ويقول: * (رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت) * وقال آخرون بل يقول ذلك عند معاينة النار في الآخرة، ولعل هذا القائل إنما ترك ظاهر هذه الآية لما أخبر الله تعالى في كتابه