إعلم أنه سبحانه وتعالى لما زيف طريقة القوم أتبعه ببيان صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: * (وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم) * لأن ما دل الدليل على صحته فهو في باب الاستقامة أبلغ من الطريق المستقيم * (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) * أي لعادلون عن هذا الطريق، لأن طريق الاستقامة واحدة وما يخالفه فكثير.
أما قوله تعالى: * (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر) * ففيه وجوه: أحدها: المراد ضرر الجوع وسائر مضار الدنيا وثانيها: المراد ضرر القتل والسبي وثالثها: أنه ضرر الآخرة وعذابها فبين أنهم قد بلغوا في التمرد والعناد المبلغ الذي لا مرجع فيه إلى دار الدنيا، وأنهم * (لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) * (الأنعام: 28) لشدة لجاجهم فيما هم عليه من الكفر.
أما قوله تعالى: * (للجوا في طغيانهم يعمهون) * فالمعنى لتمادوا في ضلالهم وهم متحيرون.
قوله تعالى * (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون * حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون * وهو الذى أنشأ لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون * وهو الذى ذرأكم فى الارض وإليه تحشرون * وهو الذى يحى ويميت وله اختلاف اليل والنهار أفلا تعقلون) *.
اختلفوا في قوله: * (ولقد أخذناهم بالعذاب) * على وجوه: أحدها: أنه لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة منع الميرة عن أهل مكة فأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا الجلود والجيف، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ألست تزعم أنك بعثت رحمة العالمين، ثم قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، فادع الله يكشف عنا هذا القحط. فدعا فكشف عنهم فأنزل الله هذه الآية، والمعنى أخذناهم بالجوع فما أطاعوا وثانيها: هو الذي نالهم يوم بدر من القتل والأسر، يعني أن ذلك مع شدته ما دعاهم إلى الإيمان عن الأصم وثالثها: المراد