الضرورة إلى كشفه ورخص لهم في كشف ما اعتيد كشفه وأدت الضرورة إلى إظهاره إذ كانت شرائع الإسلام حنيفية سهلة سمحة، ولما كان ظهور الوجه والكفين كالضروري لا جرم اتفقوا على أنهما ليسا بعورة، أما القدم فليس ظهوره بضروري فلا جرم اختلفوا في أنه هل هو من العورة أم لا؟ فيه وجهان: الأصح أنه عورة كظهر القدم، وفي صوتها وجهان أصحهما أنه ليس بعورة، لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يروين الأخبار للرجال، وأما الذين حملوا الزينة على ما عدا الخلقة فقالوا إنه سبحانه إنما ذكر الزينة لأنه لا خلاف أنه يحل النظر إليها حالما لم تكن متصلة بأعضاء المرأة، فلما حرم الله سبحانه النظر إليها حال اتصالها ببدن المرأة كان ذلك مبالغة في حرمة النظر إلى أعضاء المرأة، وعلى هذا القول يحل النظر إلى زينة وجهها من الوشمة والغمرة وزينة بدنها من الخضاب والخواتيم وكذا الثياب، والسبب في تجويز النظر إليها أن تسترها فيه حرج لأن المرأة لا بد لها من مناولة الأشياء بيديها والحاجة إلى كشف وجهها في الشهادة والمحاكمة والنكاح.
المسألة الثالثة: اتفقوا على تخصيص قوله: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * بالحرائر دون الإماء، والمعنى فيه ظاهر، وهو أن الأمة مال فلا بد من الاحتياط في بيعها وشرائها، وذلك لا يمكن إلا بالنظر إليها على الاستقصاء بخلاف الحرة.
أما قوله تعالى: * (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) * فالخمر واحدها خمار، وهي المقانع. قال المفسرون: إن نساء الجاهلية كن يشددن خمرهن من خلفهن، وإن جيوبهن كانت من قدام فكان ينكشف نحورهن وقلائدهن، فأمرن أن يضربن مقانعهن على الجيوب ليتغطى بذلك أعناقهن ونحورهن وما يحيط به من شعر وزينة من الحلي في الأذن والنحر وموضع العقدة منها، وفي لفظ الضرب مبالغة في الإلقاء، والباء للإلصاق، وعن عائشة رضي الله عنها " ما رأيت خيرا من نساء الأنصار، لما نزلت هذه الآية قامت كل واحدة منهن إلى مرطها فصدعت منه صدعة فاختمرت فأصبحن على رؤوسهن الغربان " وقرئ * (جيوبهن) * بكسر الجيم لأجل الياء وكذلك * (بيوتا غير بيوتكم) *.
فأما قوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن) * فاعلم أنه سبحانه لما تكلم في مطلق الزينة تكلم بعد ذلك في الزينة الخفية التي نهاهن عن إبدائها للأجانب، وبين أن هذه الزينة الخفية يجب إخفاؤها عن الكل، ثم استثنى اثنتي عشرة صورة أحدها: أزواجهن وثانيها: آباؤهن وإن علون من جهة الذكران والإناث كآباء الآباء وآباء الأمهات وثالثها: آباء أزواجهن ورابعها وخامسها: أبناؤهن وأبناء بعولتهن، ويدخل فيه أولاد الأولاد وإن سفلوا من الذكران والإناث كبني البنين وبني البنات وسادسها: إخوانهن سواء كانوا من الأب أو من الأم أو منهما وسابعها: بنو إخوانهن وثامنها: بنو أخواتهن وهؤلاء كلهم محارم، وههنا سؤالات:
السؤال الأول: أفيحل لذوي المحرم في المملوكة والكافرة ما لا يحل له في المؤمنة؟