القول الثاني: أن الكلام مع الكفار تم عند قوله: * (عسى أن يكون قريبا) * وأما قوله: * (يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده) * فهو خطاب مع المؤمنين لا مع الكافرين لأن هذا الكلام هو اللائق بالمؤمنين لأنهم يستجيبون لله بحمده، ويحمدونه على إحسانه إليهم، والقول الأول هو المشهور، والثاني ظاهر الاحتمال.
قوله تعالي * (وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا * ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم ومآ أرسلناك عليهم وكيلا * وربك أعلم بمن فى السماوات والارض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وءاتينا داوود زبورا) * اعلم أن قوله: * (قل لعبادي) * فيه قولان:
القول الأول: أن المراد به المؤمنون، وذلك لأن لفظ العباد في أكثر آيات القرآن مختص بالمؤمنين قال تعالى: * (فبشر عباد * الذين يستمعون القول) * (الزمر: 17، 18) وقال: * (فادخلي في عبادي) * (الفجر: 29) وقال: * (عينا يشرب بها عباد الله) * (الإنسان: 6).
إذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى لما ذكر الحجة اليقينية في إبطال الشرك وهو قوله: * (لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا) * (الإسراء: 42) وذكر الحجة اليقينية في صحة المعاد وهو قوله: * (قل الذي فطركم أول مرة) * (الإسراء: 51) قال في هذه الآية وقل يا محمد لعبادي إذا أردتم إيراد الحجة على المخالفين فاذكروا تلك الدلائل بالطريق الأحسن. وهو أن لا يكون ذكر الحجة مخلوطا بالشتم والسب، ونظير هذه الآية قوله: * (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) * (النحل: 125) وقوله: * (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) * (العنكبوت: 46) وذلك لأن ذكر الحجة لو اختلط به شيء من السب والشتم لقابلوكم بمثله كما قال: * (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) * (الأنعام: 108) ويزداد الغضب وتتكامل النفرة ويمتنع حصول المقصود، أما إذا وقع الاقتصار على ذكر الحجة بالطريق الأحسن