وإلا فلا سبيل إلى معرفته.
واعلم أنه تعالى بين في القرآن أنه لا يطلع أحدا من الخلق على وقته المعين، فقال: * (إن الله عنده علم الساعة) * (لقمان: 34) وقال: * (إنما علمها عند ربي) * (الأعراف: 187) وقال: * (إن الساعة آتية أكاد أخفيها) * (طه: 15) فلا جرم. قال تعالى: * (قل عسى أن يكون قريبا) * قال المفسرون عسى من الله واجب معناه أنه قريب.
فإن قالوا: كيف يكون قريبا وقد انقرض ستمائة سنة ولم يظهر؟
قلنا: إذا كان ما مضى أكثر مما بقي كان الباقي قريبا قليلا، ثم قال تعالى: * (يوم يدعوكم) * وفيه قولان: الأول: أنه خطاب مع الكفار بدليل أن ما قبل هذه الآية كله خطاب مع الكفار، ثم نقول انتصب يوما على البدل من قوله قريبا، والمعنى عسى أن يكون البعث يوم يدعوكم أي بالنداء الذي يسمعكم وهو النفحة الأخيرة كما قال: * (يوم يناد المناد من مكان قريب) * (ق: 41) يقال: إن إسرافيل ينادي أيتها الأجساد البالية والعظام النخرة والأجزاء المتفرقة عودي كما كنت بقدرة الله تعالى وبإذنه وتكوينه، وقال تعالى: * (يوم يدع الداع إلى شيء نكر) * (القمر: 6) وقوله: * (فتستجيبون بحمده) * أي تجيبون والاستجابة موافقة الداعي فيما دعا إليه وهي الإجابة إلا أن الاستجابة تقتضي طلب الموافقة فهي أوكد من الإجابة، وقوله: * (بحمده) * قال سعيد بن جبير: يخرجون من قبورهم وينفضون التراب عن رؤسهم ويقولون: سبحانك وبحمدك، فهو قوله: * (فتستجيبون بحمده) * وقال قتادة بمعرفته وطاعته، وتوجيه هذا القول أنهم لما أجابوا بالتسبيح والتحميد كان ذلك معرفة منهم وطاعة ولكنهم لا ينفعهم ذلك في ذلك اليوم. فلهذا قال المفسرون: حمدوا حين لا ينفعهم الحمد، وقال أهل المعاني: تستجيبون بحمده. أي تستجيبون حامدين كما يقال: جاء بغضبه أي جاء غضبان وركب الأمير بسيفه أي وسيفه معه وقال صاحب " الكشاف ": بحمده حال منهم أي حامدين، وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث كقولك لمن تأمره بعمل يشق عليه ستأتي به وأنت حامد شاكر، أي ستنتهي إلى حالة تحمد الله وتشكره على أن اكتفي منك بذلك العمل وهذا يذكر في معرض التهديد.
ثم قال: * (وتظنون إن لبثتم إلا قليلا) * قال ابن عباس يريد بين النفختين الأولى والثانية فإنه يزال عنهم العذاب في ذلك الوقت، والدليل عليه قوله في سورة يس: * (من بعثنا من مرقدنا) * (يس: 52) فظنهم بأن هذا لبث قليل عائد إلى لبثهم فيما بين النفختين، وقال الحسن: معناه تقريب وقت البعث فكأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل فهذا يرجع إلى استقلال مدة اللبث في الدنيا وقيل المراد استقلال لبثهم في عرصة القيامة؛ لأنه لما كانت عاقبة أمرهم الدخول في النار استقصروا مدة لبثهم في برزخ القيامة.