(المسألة الثالثة) النعم إما دينية، وإما دنيوية، أما النعم الدينية فهي أما معرفة الحق لذاته وإما معرفة الخير لأجل العمل به، وأما النعم الدنيوية فهي إما نفسانية، وإما بدنية وإما خارجية وكل واحد من هذه الثلاثة جنس تحته أنواع خارجة عن الحصر والتحديد كما قال (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) والإشارة إلى تفصيل تلك الأنواع قد ذكرناها مرار فلا نعيدها.
(المسألة الرابعة) إنما دخلت الفاء في قوله (فمن الله) لان الباء في قوله (بكم) متصلة بفعل مضمر، والمعنى: ما يكن بكم أو ما حل بكم من نعمة فمن الله.
ثم قال تعالى (ثم إذا مسكم الضر) قال ابن عباس: يريد الأسقام والأمراض والحاجة (فإليه تجأرون) أي ترفعون أصواتكم بالاستغاثة، وتتضرعون إليه بالدعاء يقال. جأر يجأر جؤارا وهو الصوت الشديد كصوت البقرة، وقال الأعشى يصف راهبا:
يراوح من صلوات المليك طورا سجودا وطورا جؤارا والمعنى: أنه تعالى بين أن جميع النعم من الله تعالى: ثم إذا اتفق لأحد مضرة توجب زوال شئ من تلك النعم قال الله يجأر، أي يجار، أي لا يستغيث أحدا إلا الله تعالى لعمله، بأنه لا مفزع للخلق إلا هو، فكأنه تعالى قال لهم فأين أنتم عن هذه الطريقة في حال الرخاء والسلامة، ثم قال بعده (ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون) فبين تعالى أن عند كشف الضر وسلامة الأحوال يفترقون ففريق منهم يبقى على مثل ما كان عليه عند الضر في أن لا يفزع إلا إلى الله تعالى، وفريق منهم عند ذلك يتغيرون فيشركون بالله غيره، وهذا جهل وضلال، أنه لما شهدت فطرته الأصلية وخلقته العزيزية عند نزول البلاء والضر والآفات والمخافات أن لا مفزع إلا إلى الواحد، ولا مستغاث إلا الواحد فعند زوال البلاء والضراء وجب أن يبقى على ذلك الاعتقاد، فأما أنه عند نزول البلاء يقر بأنه لا مستغاث إلا الله تعالى، وعند زوال البلاء يثبت الأضداد والشركاء، فهذا جهل عظيم وضلال كاملا, ونظير هذه الآية قوله تعالى (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) ثم قال تعالى (ليكفروا بما آتيناهم) وفى هذه اللام وجهان: الأول: أنها لام كي والمعنى أنهم أشركوا بالله غيره في كشف ذلك الضر عنهم، وغرضهم من ذلك الاشراك أن ينكروا كون ذلك الانعام من الله تعالى، الا ترى أن العليل إذا اشتد وجعه تضرع إلى الله تعالى في إزالة ذلك الوجع، فإذا زال أحال زوال على الدواء الفلاني والعلاج الفلاني، وهذا أكثر أحوال الخلق.
وقال مصنف هذا الكتاب محمد بن عمر الرازي رحمه الله: في اليوم الذي كنت أكتب هذه الأوراق وهو اليوم الأول من محرم سنة اثنتين وستمائة حصلت زلزلة شديدة، وهذه عظيمة وقت الصبح