قسطنطين الملك، والله أعلم بأحوالهم، ولا يتعلق غرض من أغراض تفسير القرآن بمعرفة أعيان هؤلاء الأقوام.
المسألة الثانية: جواب قوله: * (فإذا جاء) * محذوف تقديره: فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسؤوا وجوهكم وإنما حسن هذا الحذف لدلالة ما تقدم عليه من قوله: * (بعثنا عليكم عبادا لنا) * (الإسراء: 5) ثم قال: * (ليسؤوا وجوهكم) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: يقال: ساءه يسوءه أي أحزنه، وإنما عزا الإساءة إلى الوجوه، لأن آثار الأعراض النفسانية الحاصلة في القلب إنما تظهر على الوجه، فإن حصل الفرح في القلب ظهرت النضرة والإشراق والإسفار في الوجه. وإن حصل الحزن والخوف في القلب ظهر الكلوح والغبرة والسواد في الوجه، فلهذا السبب عزيت الإساءة إلى الوجوه في هذه الآية، ونظير هذا المعنى كثير في القرآن.
المسألة الثانية: قرأ العامة: ليسؤوا على صيغة المغايبة، قال الواحدي: وهي موافقة للمعنى وللفظ. أما المعنى فهو أن المبعوثين هم الذين يسؤونهم في الحقيقة، لأنهم هم الذين يقتلون ويأسرون وأما اللفظ فلأنه يوافق قوله: * (وليدخلوا المسجد) * وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة: * (ليسوء) * على إسناد الفعل إلى الواحد، وذلك الواحد يحتمل أن يكون أحد أشياء ثلاثة: إما اسم الله سبحانه لأن الذي تقدم هو قوله: ثم ردنا وأمددنا، وكل ذلك ضمير عائد إلى الله تعالى، وإما أن يكون ذلك الواحد هو البعث ودل عليه قوله: * (بعثنا) * والفعل المتقدم يدل على المصدر كقوله تعالى: * (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم) * (آل عمران: 18) وقال الزجاج: ليسوء الوعد وجوهكم، وقرأ الكسائي بالنون وهذا على إسناد الفعل إلى الله تعالى كقوله: بعثنا عليكم وأمددنا.
ثم قال تعالى: * (وليتبروا ما علوا تتبيرا) * يقال: تبر الشيء تبرا إذا هلك وتبره أهلكه. قال الزجاج: كل شيء جعلته مكسرا ومفتتا فقد تبرته، ومنه قيل: تبر الزجاج وتبر الذهب لمكسره، ومنه قوله تعالى: * (إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون) * (الأعراف: 139) وقوله: * (ولا تزد الظالمين إلا تبارا) * (نوح: 28) وقوله: * (ما علوا) * يحتمل ما غلبوا عليه وظفروا به، ويحتمل ويتبروا ما داموا غالبين، أي ما دام سلطانهم جاريا على بني إسرائيل، وقوله: * (تتبيرا) * ذكر للمصدر على معنى تحقيق الخبر وإزالة الشك في صدقه كقوله: * (وكلم الله موسى تكليما) * (النساء: 164) أي حقا، والمعنى: وليدمروا ويخربوا ما غلبوا عليه.
ثم قال تعالى: * (عسى ربكم أن يرحمكم) * والمعنى: لعل ربكم أن يرحمكم ويعفو عنكم بعد انتقامه منكم يا بني إسرائيل.