(فبشرهم بعذاب أليم) ومنهم من قال: المراد بالتبشير ههنا الاخبار، والقول الأول أدخل في التحقيق أما قوله (ظل وجهه مسودا) فالمعنى أنه يصير متغيرا تغير مغتم، ويقال لمن لقى مكروها قد اسود وجه غمار وحزنا، وأقول إنما جعل اسوداد الوجه كناية عن النعم، وذلك لان الانسان إذا قوى فرحه انشرح صدره وانبسط روح قلبه من داخل القلب، ووصل إلى الأطراف، ولا سيما إلى الوجه لما بينهما من التعلق الشديد، وإذا وصل الروح إلى ظاهر الوجه أشرق الوجه وتلألأ واستنار، وأما إذا قوى غم الانسان احتقن الروح في باطن القلب ولم يبق منهم أثر قوى في ظاهر الوجه، فلا جرم يريد الوجه ويصفر ويسود ويظهر فيه أثر الأرضية والكثافة، فثبت أن من لوازم الفرح استنارة الوجه وإشرافه، ومن لوازم الغم كمودة الوجه وغبرته وسواده، فلهذا السبب جعل بياض الوجه وإشرافه كناية عن الفرج وغبرته وكمودته وسواده كناية عن الغم والحزن والكراهية، ولهذا المعنى قال (ظل وجهه مسودا وهو كظيم) أي ممتلئ غما وحزنا.
ثم قال تعالى (يتوارى من القول من سوء) أي يتخفى ويتغيب من سوء ما بشر به، قال المفسرون: كان الرجل في الجاهلية إذا ظهر آثار الطلق بامرأته توارى واختفى عن القوم إلى أن يعلم ما يولد له فان كان ذكرا ابتهج به، وإن كان أثنى حزن ولم يظهر للناس أيا ما بدير فيه أنه ماذا يصنع بها؟ وهو قوله (أيمسكه على دون أم يدسه في التراب) والمعنى: أيحسبه؟ والامساك ههنا بمعنى الحبس كقوله (أمسك عليك زوجك) وإنما قال (أيمسكه) ذكره بضمير الذكران لان هذا الضمير عائد على ما في قوله (ما بشر به) والهون الهوان قال النضر بن شميل يقال إنه أهون عليه هونا وهوانا، وأهنته هونا وهانا، وذكرنا هذا في سورة الأنعام عند قوله (عذاب الهون) وفى أن هذا الهون صفة من؟ قولان: الأول: أنه صفة المولودة، ومعناه أنه يمسكها عن هون منه لها، والثاني. قال عطاء عن ابن عباس: أنه صفة للأب. ومعناه أنه يمسكها مع الرضا بهوان نفسه وعلى رغم أنفه.
ثم قال (أم يدسه في التراب) والدس إخفاء الشئ في الشئ. يروى أن العرب كانوا يحفرون حفيرة ويجعلونها فيها حتى تموت، وروى عن قيس بن عاصم أنه قال: يا رسول الله إني واريت ثماني بنات في الجاهلية فقال عليه السلام أعتق عن كل واحدة منهن رقبة فقال: يا نبي الله إني ذو إبل، فقال اهد عن كل واحدة منهن هديا وروى أن رجلا قال يا رسول الله: ما أجد حلاوة الاسلام منذ أسلمت، فقد كانت لي في الجاهلية ابنة فأمرت امرأتي أن تزينها فأخرجتها إلى فانتهيت بها إلى واد بعيد القعر فألقيتها فيه، فقالت: يا أبت قتلتني، فكلما ذكرت قولها لم ينفعني شئ، فقال عليه السلام ما كان في الجاهلية فقد هدمه الاسلام وما كان في الاسلام يهدمه الاستغفار واعلم أنهم كانوا