ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولاهم يستعتبون (84) وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولاهم ينظرون (85) هذه الأصنام. والثاني: أن المراد أنهم عرفوا أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حق ثم ينكرونها، وبنوته نعمة عظيمة كما قال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الثالث: يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها، أي لا يستعملونها في طلب رضوان الله تعالى.
ثم قال تعالى (وأكثرهم الكافرون) فان قيل: ما معنى قوله (وأكثرهم الكافرون) مع أنه كان كلهم كافرين.
قلنا: الجواب من وجوه: الأول: إنما قال (وأكثرهم) لأنه كان فيهم من لم تقم عليه الحجة ممن لم يبلغ حد التكليف. أو كان ناقص العقل معتوها، فأراد بالأكثر البالغين الأصحاء. الثاني: أن يكون المراد بالكافر الجاحد المعاند، وحينئذ نقول إنما قال (وأكثرهم) لأنه كان فيه من لم يكن معاندا بل كان جاهلا بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام وما ظهر له كونه نبيا حقا من عند الله الثالث: أنه ذكر الأكثر والمراد الجميع، لان أكثر الشئ يقوم مقام الكل، فذكر الأكثر كذكر الجميع، وهذا كقوله (الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) والله أعلم.
قوله تعالى (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن اللذين كفروا ولاهم يستعتبون وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولاهم ينظرون) اعلم أنه تعالى لما بين من حال القوم أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها وذكر أيضا من حالهم أن أكثرهم الكافرون أتبعه بالوعيد، فذكر حال يوم القيامة فقال (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) وذلك يدل على أن أولئك الشهداء يشهدون عليهم بذلك الانكار وبذلك الكفر، والمراد بهؤلاء الشهداء الأنبياء كما قال تعالى (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا وقوله (ثم لا يؤذن للذين كفروا) فيه وجوه: أحدها: لا يؤذن لهم في الاعتذار لقوله (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) وثانيها: لا يؤذن لهم في كثرة الكلام. وثالثها: لا يؤذن لهم في الرجوع إلى دار الدنيا وإلى التكليف. ورابعها: لا يؤذن لهم في حال شهادة الشهود، بل يسكت أهل الجمع كلهم ليشهد الشهود. وخامسها: لا يؤذن لهم في كثرة الكلام ليظهر لهم كونهم