الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا) * اعلم أن المقصود من هذه الآية الرد على المشركين وقد ذكرنا أن المشركين كانوا يقولون ليس لنا أهلية أن نشتغل بعبادة الله تعالى فنحن نعبد بعض المقربين من عباد الله وهم الملائكة، ثم إنهم اتخذوا لذلك الملك الذي عبدوه تمثالا وصورة واشتغلوا بعبادته على هذا التأويل والله تعالى احتج على بطلان قولهم في هذه الآية فقال: * (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه) * وليس المراد الأصنام لأنه تعالى قال في صفتهم: * (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة) * وابتغاء الوسيلة إلى الله تعالى لا يليق بالأصنام البتة.
إذا ثبت هذا فنقول: إن قوما عبدوا الملائكة فنزلت هذه الآية فيهم، وقيل: إنها نزلت في الذين عبدوا المسيح وعزيرا، وقيل: إن قوما عبدوا نفرا من الجن فأسلم النفر من الجن، وبقي أولئك الناس متمسكين بعبادتهم فنزلت هذه الآية، قال ابن عباس: كل موضع في كتاب الله تعالى ورد فيه لفظ زعم فهو كذب، ثم إنه تعالى احتج على فساد مذهب هؤلاء أن الإله المعبود هو الذي يقدر على إزالة الضرر، وإيصال المنفعة، وهذه الأشياء التي يعبدونها وهي الملائكة والجن والمسيح وعزير لا يقدرون على كشف الضر ولا على تحصيل النفع، فوجب القطع بأنها ليست آلهة.
ولقائل أن يقول: هذا الدليل إنما يتم إذا دللتم على أن الملائكة لا قدرة لها على كشف الضر ولا على تحصيل النفع فما الدليل على أن الأمر كذلك حتى يتم دليلكم؟ فإن قلتم: لأنا نرى أن أولئك الكفار كانوا يتضرعون إليها فلا تحصل الإجابة.
قلنا: معارضة لذلك قد نرى أيضا أن المسلمين يتضرعون إلى الله تعالى فلا تحصل الإجابة، والمسلمون يقولون: إن القدر الحاصل من كشف الضر وتحصيل النفع إنما يحصل من الله تعالى لا من الملائكة، وأولئك الكفار يقولون إنه يحصل من الملائكة لا من الله تعالى، وعلى هذا التقدير فالدليل غير تام.
والجواب: أن الدليل تام كامل، وذلك لأن الكفار كانوا مقرين بأن الملائكة