المسألة الرابعة: أما العروج إلى السماوات وإلى ما فوق العرش، فهذه الآية لا تدل عليه، ومنهم من استدل عليه بأول سورة والنجم، ومنهم من استدل عليه بقوله تعالى: * (لتركبن طبقا عن طبق) * (الإنشقاق: 19) وتفسيرهما مذكور في موضعه، وأما دلالة الحديث فكما سلف والله أعلم.
* (وءاتينآ موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنى إسراءيل ألا تتخذوا من دونى وكيلا * ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا) * في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن الكلام في الآية التي قبل هذه الآية، وفيها انتقل من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة، لأن قوله: * (سبحان الذي أسرى) * فيه ذكر الله على سبيل الغيبة وقوله: * (باركنا حوله لنريه من آياتنا) * فيه ثلاثة ألفاظ دالة على الحضور وقوله: * (إنه هو السميع البصير) * يدل على الغيبة وقوله: * (وآتينا موسى الكتاب) * الخ يدل على الحضور وانتقال الكلام من الغيبة إلى الحضور وبالعكس يسمى صنعة الالتفات.
المسألة الثانية: ذكر الله تعالى في الآية الأولى إكرامه محمدا صلى الله عليه وسلم بأن أسرى به، وذكر في هذه الآية أنه أكرم موسى عليه الصلاة والسلام قبله بالكتاب الذي آتاه فقال: * (وآتينا موسى الكتاب) * يعني التوراة: * (وجعلناه هدى) * أي يخرجهم بواسطة ذلك الكتاب من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم والدين الحق وقوه: * (ألا تتخذوا من دوني وكيلا) * وفيه أبحاث:
البحث الأول: قرأ أبو عمرو: * (ألا تتخذوا) * بالياء خبرا عن بني إسرائيل والباقون بالتاء على الخطاب، أي قلنا لهم لا تتخذوا.
البحث الثاني: قال أبو علي الفارسي: إن قوله: * (ألا تتخذوا) * فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون (أن) ناصبة للفعل فيكون المعنى: وجعلناه هدى لئلا تتخذوا. وثانيها: أن تكون (أن) بمعنى أي التي للتفسير وانصرف الكلام من الغيبة إلى الخطاب في قراءة العامة كما انصرف منها إلى الخطاب. والأمر في قوله: * (وانطلق الملأ منهم أن امشوا) * (ص: 6) فكذلك انصرف من الغيبة إلى النهي في قوله: * (ألا تتخذوا) *. وثالثها: أن تكون (أن) زائدة ويجعل تتخذوا على القول المضمر والتقدير: وجعلناه هدى لبني إسرائيل فقلنا لا تتخذوا من دوني وكيلا.