فإن قيل: إنه تعالى لما حكى عن القوم هذه الشبهة لم يجب عليها، بل اقتصر على محض الوعيد؛ فما السبب فيه؟.
قلنا: السبب فيه أنه تعالى بين كون القرآن معجزا بطريقين: الأول: أنه صلى الله عليه وسلم تحداهم بكل القرآن، وتارة بعشر سور، وتارة بسورة واحدة، وتارة بحديث واحد، وعجزوا عن المعارضة، وذلك يدل على كونه معجزا. الثاني: أنه تعالى حكى هذه الشبهة بعينها في آية أخرى وهو قوله: * (اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) * (الفرقان: 5) وأبطلها بقوله: * (قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض) * (الفرقان: 6) ومعناه أن القرآن مشتمل على الأخبار عن الغيوب، وذلك لا يتأتى إلا ممن يكون عالما بأسرار السماوات والأرض، فلما ثبت كون القرآن معجزا بهذين الطريقين، وتكرر شرح هذين الطريقين مرارا كثيرة لا جرم اقتصر في هذه الآية على مجرد الوعيد ولم يذكر ما يجري مجرى الجواب عن هذه الشبهة، والله أعلم.
قوله تعالى * (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون * ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركآئى الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزى اليوم والسوء على الكافرين * الذين تتوفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون) * اعلم أن المقصود من الآية المبالغة في وصف وعيد أولئك الكفار، وفي المراد بالذين من قبلهم قولان:
القول الأول: وهو قول الأكثر من المفسرين أن المراد منه نمروذ بن كنعان بنى صرحا