الألطاف الداعية لهم إلى الإيمان صح أن يقال: إنه فعل الحجاب السائر.
واعلم أن هذه الوجوه مع كلمات أخرى ذكرناها في سورة الأنعام وأجبنا عنها، فلا فائدة في الإعادة.
ثم قال تعالى: * (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا) * واعلم أن المراد أن القوم كانوا عند استماع القرآن على حالتين، لأنهم إذا سمعوا من القرآن ما ليس فيه ذكر الله تعالى بقوا مبهوتين متحيرين لا يفهمون منه شيئا، وإذا سمعوا آية فيها ذكر الله تعالى وذم الشرك بالله ولوا نفورا وتركوا ذلك المجلس، وذكر الزجاج في قوله: * (ولوا على أدبارهم نفورا) * وجهين: الأول: المصدر والمعنى ولوا نافرين نفورا، والثاني: أن يكون نفورا جمع نافر مثل شهود وشاهد وركوع وراكع وسجود وساجد وقعود وقاعد.
ثم قال تعالى: * (نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك) * أي نحن أعلم بالوجه الذي يستمعون به وهو الهزؤ والتكذيب. و * (به) * في موضع الحال، كما تقول: مستمعين بالهزؤ و * (إذ يستمعون) * نصب بأعلم أي أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون * (وإذا هم نجوى) * أي وبما يتناجون به إذ هم ذو نجوى: * (إذ يقول الظالمون) * بدل من قوله: * (وإذ هم نجوى... إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) * وفيه مباحث: الأول: قال المفسرون: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا أن يتخذ طعاما ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين، ففعل علي عليه السلام ذلك ودخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى التوحيد وقال: قولوا لا إله إلا الله حتى تطيعكم العرب وتدين لكم العجم فأبوا عليه ذلك، وكانوا عند استماعهم من النبي صلى الله عليه وسلم القرآن والدعوة إلى الله تعالى يقولون: بينهم متناجين هو ساحر وهو مسحور وما أشبه ذلك من القول، فأخبر الله تعالى نبيه بأنهم يقولون: * (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) *.
فإن قيل: إنهم لم يتبعوا رسول الله فكيف يصح أن يقولوا: * (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) *.
قلنا: معناه أنكم إن اتبعتموه فقد اتبعتم رجلا مسحورا، والمسحور الذي قد سحر فاختلط عليه عقله وزال عن حد الاستواء. هذا هو القول الصحيح، وقال بعضهم: المسحور هو الذي أفسد. يقال: طعام مسحور إذا أفسد عمله وأرض مسحورة أصابها من المطر أكثر مما ينبغي فأفسدها. قال أبو عبيدة: يريد بشرا ذا سحر أي ذارئة. قال ابن قتيبة: ولا أدري ما الذي حمله على هذا التفسير المستكره مع أن السلف فسروه بالوجوه الواضحة، وقال مجاهد: * (مسحورا) * أي مخدوعا لأن السحر حيلة وخديعة، وذلك لأن المشركين كانوا يقولون: إن محمدا يتعلم من بعض الناس هذه الكلمات