البحث الأول: أن قوله: * (وأنهار) * معطوف على قوله: * (وألقى في الأرض رواسي) * والتقدير ألقى رواسي وأنهارا. وخلق الأنهار لا يبعد أن يسمى بالإلقاء فيقال: ألقى في الأرض أنهارا كما قال: * (وألقينا فيها رواسي) * (ق: 7) والإلقاء معناه الجعل ألا تر أنه تعالى قال في آية أخرى: * (وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها) * (فصلت: 10) * والإلقاء يقارب الإنوال، لأن الإلقاء يدل على طرح الشيء من الأعلى إلى الأسفل، إلا أن المراد من هذا الإلقاء الجعل والخلق قال تعالى: * (وألقيت عليك محبة مني) * (طه: 39).
البحث الثاني: أنه ثبت في العلوم العقلية أن أكثر الأنهار إنما تتفجر منابعها في الجبال، فلهذا السبب لما ذكر الله تعالى الجبال أتبع ذكرها بتفجير العيون والأنهار.
النعمة الثالثة: قوله: * (وسبلا لعلكم تهتدون) * وهي أيضا على قوله: * (وألقى في الأرض رواسي) * والتقدير: وألقى في الأرض سبلا ومعناه: أنه تعالى أظهرها وبينها لأجل أن تهتدوا بها في أسفاركم ونظيره قوله تعالى في آية أخرى: * (وسلك لكم فيها سبلا) * (طه: 53) وقوله: * (لعلكم تهتدون) * أي لكي تهتدوا.
واعلم أنه تعالى لما ذكر أنه أظهر في الأرض سبلا معينة ذكر أنه أظهر فيها علامات مخصوصة حتى يتمكن المكلف من الاستدلال بها فيصل بواسطتها إلى مقصوده فقال: * (وعلامات) * وهي أيضا معطوفة على قوله: * (في الأرض رواسي) * والتقدير: وألقى في الأرض رواسي وألقى فيها أنهارا وسبلا وألقى فيها علامات والمراد بالعلامات معالم الطرق وهي الأشياء التي بها يهتدي، وهذه العلامات هي الجبال والرياح ورأيت جماعة يشمون التراب وبواسطة ذلك الشم يتعرفون الطرق. قال الأخفش تم الكلام عند قوله: * (وعلامات) * وقوله: * (وبالنجم هم يهتدون) * كلام منفصل عن الأول، والمراد بالنجم الجنس كقولك: كثر الدرهم في أيدي الناس. وعن السدي هو الثريا، والفرقدان، وبنات نعش، والجدي، وقرأ الحسن: * (وبالنجم) * بضمتين وبضمة فسكون، وهو جمع نجم كرهن ورهن والسكون تخفيف. وقيل: حذف الواو من النجم تخفيفا.
فإن قيل: قوله: * (أن تميد بكم) * خطاب الحاضرين وقوله: * (وبالنجم هم يهتدون) * خطاب للغائبين فما السبب فيه؟.
قلنا: إن قريشا كانت تكثر أسفارها لطلب المال، ومن كثرت أسفاره كان علمه بالمنافع الحاصلة من الاهتداء بالنجوم أكثر وأتم فقوله: * (وبالنجم هم يهتدون) * إشارة إلى قريش للسبب الذي ذكرناه. والله أعلم.
واختلف المفسرون فمنهم من قال قوله: * (وبالنجم هم يهتدون) * مختص بالبحر، لأنه تعالى لما