ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) * اعلم أنه لما قال قبل هذه الآية: * (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) * (النحل: 97) أرشد إلى العمل الذي به تخلص أعماله عن الوساوس فقال: * (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: الشيطان ساع في إلقاء الوسوسة في القلب حتى في حق الأنبياء بدليل قوله تعالى: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) * (الحج: 52) والاستعاذة بالله مانعة للشيطان من إلقاء الوسوسة بدليل قوله تعالى: * (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) * (الأعراف: 201) فلهذا السبب أمر الله تعالى رسوله بالاستعاذة عند القراءة حتى تبقى تلك القراءة مصونة عن الوسوسة.
المسألة الثانية: قوله: * (فإذا قرأت القرآن) * خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن المراد به الكل، لأن الرسول لما كان محتاجا إلى الاستعاذة عند القراءة فغير الرسول أولى بها.
المسألة الثالثة: الفاء في قوله: * (فاستعذ بالله) * للتعقيب فظاهر هذه الآية يدل على أن الاستعاذة بعد قراءة القرآن وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين قال الواحدي: وهو قول أبي هريرة ومالك وداود قالوا: والفائدة فيه أنه إذا قرأ القرآن استحق به ثوابا عظيما، فإن لم يأت بالاستعاذة وقعت الوسوسة في قلبه، وتلك الوسوسة تحبط ثواب القراءة أما إذا استعاذ بعد القراءة اندفعت الوساوس وبقي الثواب مصونا عن الإحباط. أما الأكثرون من علماء الصحابة والتابعين فقد اتفقوا على أن الاستعاذة مقدمة على القراءة، وقالوا: معنى الآية إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ، وليس معناه استعذ بعد القراءة، ومثله إذا أكلت فقل: * (بسم الله) * وإذا سافرت فتأهب، ونظيره قوله تعالى: * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) * (المائدة: 6) أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا، وأيضا لما ثبت أن الشيطان ألقى الوسوسة في أثناء قراءة الرسول بدليل قوله تعالى: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) * (الحج: 52) ومن الظاهر أنه تعالى إنما أمر الرسول بالاستعاذة عند القراءة لدفع تلك الوساوس، فهذا المقصود إنما يحصل عند تقديم الإستعاذة.
المسألة الرابعة: مذهب عطاء: أنه تجب الاستعاذة عند قراءة القرآن سواء كانت القراءة