أكثر، ولذلك قال (وننزل من السماء من جبال فيها من برد) لمعرفتهم بذلك وما أنزل من الثلج أعظم ولكنهم كانوا لا يعرفونه.
(والوجه الثاني) في الجواب قال المبرد: إن ذكر أحد الضدين تنبيه على الآخر، قلت ثبت في العلوم العقلية أن العلم بأحد الضدين يستلزم العلم بالضد الآخر، فان الانسان متى خطر بباله الحر خطر بباله أيضا البرد، وكذا القول في النور والظلمة والسواد والبياض، فلما الشعور بأحدهما مستتبعا للشعور بالآخر، كان ذكر أحدهما مغنيا عن ذكر الآخر.
(والوجه الثالث) قال الزجاج: ما وقى من الحر وقى من البرد، فكان ذكر أحدهما مغنيا عن ذكر الآخر.
فان قيل: هذا بالضد أولى، لان دفع الحر يكفي فيه السرابيل التي هي القمص من دون تكلف زيادة، وأما البرد فإنه لا يندفع إلا بتكلف زائد.
قلنا: القميص الواحد لما كان دافعا للحر كان الاستكثار من القميص دافعا للبرد فصح ما ذكرناه، وقوله (وسرابيل تقيكم بأسكم) يعنى دروع الحديد، ومعنى البأس الشدة، ويريد ههنا شدة الطعن والضرب والرمي.
واعلم أنه تعالى لما عدد أقسام نعمة الدنيا قال (كذلك يتم نعمته عليكم) أي مثل ما خلق هذه الأشياء لكم وأنعم بها عليكم فإنه يتم نعمة الدنيا والدين عليكم (لعلكم تسلمون) قال ابن عباس: لعلكم يا أهل مكة تخلصون لله الربوبية، وتعلمون أنه لا يقدر على هذه الانعامات أحد سواه، ونقل عن ابن عباس أنه قرأ (لعلكم تسلمون) بفتح التاء، والمعنى: أنا أعطيناكم هذه السرابيلات لتسلموا عن بأس الحرب، وقيل أعطيتكم هذه النعم لتتفكروا فيها فتؤمنوا فتسلموا من عذاب الله.
ثم قال تعالى (فان تولوا فإنما عليك البلاغ المبين) أي فان تولوا يا محمد وأعرضوا وآثروا لذات الدنيا ومتابعة الآباء والمعاداة في الكفر فعلى أنفسهم جنوا ذلك وليس عليك إلا ما فعلت من التبليغ التاء، ثم إنه تعالى دمهم بأنهم يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها، وذلك نهاية في كفران النعمة.
فان قيل: ما معنى ثم؟
قلنا: الدلالة على أن إنكارهم أمر يستبعد بعد حصول المعرفة، لان حق من عرف النعمة أن يعترف لا أن ينكر، وفى المراد بهذه النعمة وجوه: الأول: قال القاضي المراد بها جميع ما ذكره الله تعالى في الآيات المتقدمة من جميع أنواع النعم، ومعنى أنهم أنكروه هو أنهم ما أفردوه تعالى بالشكر والعبادة بل شكروا على تلك النعم غير الله تعالى. ولأنهم قالوا إنما حصلت هذه النعم بشفاعة