بالضرورة، لأن لفظة: كن، مركبة من الكاف والنون، وعند حضور الكاف لم تكن النون حاضرة وعند مجيء النون تتولى الكاف، وذلك يدل على أن كلمة كن يمتنع كونها قديمة، وإنما الذي يدعي أصحابنا كونه قديما صفة مغايرة للفظة كن، فالذي تدل عليه الآية لا يقول به أصحابنا، والذي يقولون به لا تدل عليه الآية فسقط التمسك به.
والوجه الثالث: أن الرجل إذا قال إن فلانا لا يقدم على قول، ولا على فعل إلا ويستعين فيه بالله تعالى فإن عاقلا لا يقول: إن استعانته بالله فعل من أفعاله فيلزم أن يكون كل استعانة مسبوقة باستعانة أخرى إلى غير النهاية لأن هذا الكلام بحسب العرف باطل فكذلك ما قالوه.
والوجه الرابع: أن هذه الآية مشعرة بحدوث الكلام من وجوه:
الوجه الأول: أن قوله تعالى: * (إنما قولنا لشيء إذا أردناه) * يقتضي كون القول واقعا بالإرادة، وما كان كذلك فهو محدث.
والوجه الثاني: أنه علق القول بكلمة إذا، ولا شك أن لفظة " إذا " تدخل للاستقبال.
والوجه الثالث: أن قوله: * (أن نقول له) * لا خلاف أن ذلك ينبئ عن الاستقبال.
والوجه الرابع: أن قوله: * (كن فيكون) * يدل على أن حدوث الكون حاصل عقيب قوله: * (كن) * فتكون كلمة * (كن) * متقدمة على حدوث الكون بزمان واحد، والمتقدم على المحدث بزمان واحد يجب أن يكون محدثا.
والوجه الخامس: أنه معارض بقوله تعالى: * (وكان أمر الله مفعولا) * (النساء: 47)، * (وكان أمر الله قدرا مقدورا) * (الأحزاب: 38). * (الله نزل أحسن الحديث) * (الزمر: 23). * (فليأتوا بحديث مثله) * (الطيور: 34)، * (ومن قبله كتاب موسى وإماما ورحمة) * (الأحقاف: 12).
فإن قيل: فهب أن هذه الآية لا تدل على قدم الكلام، ولكنكم ذكرتم أنها تدل على حدوث الكلام فما الجواب عنه؟.
قلنا: نصرف هذه الدلائل إلى الكلام المسموع الذي هو مركب من الحروف والأصوات، ونحن نقول بكونه محدثا مخلوقا. والله أعلم.
قوله تعالى * (والذين هاجروا فى الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم فى الدنيا حسنة ولاجر الاخرة أكبر لو كانوا يعلمون * الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون) *