* (وإذا رءا الذين أشركوا شركآءهم قالوا ربنا هؤلآء شركآؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون * وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون) * آيسين من رحمة الله تعالى. ثم قال (ولاهم يستعتبون) الاستعتاب طلب العتاب، والرجل يطلب العتاب من خصمه إذا كان على جزم أنه إذا عاتبه رجع إلى الرضا، فإذا لم يطلب العتاب منه دل على أنه راسخ في غضبه وسطوته، ثم إنه تعالى أكد هذا الوعيد فقال (وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم) والمعنى أن المشركين إذا رأوا العذاب ووصلوا إليه، فعند ذلك لا يخفف عنهم العذاب (ولاهم) أيضا (ينظرون) أي لا يؤخرون ولا يمهلون، لان التوبة هناك غير موجودة، وتحقيقه ما يقوله المتكلمون من أن العذاب يجب أن يكون خالصا عن شرائب النفع، وهو المراد من قوله (لا يخفف عنهم العذاب) ويجب أن يكون العذاب دائما وهو المراد من قوله (ولاهم ينظرون) قوله تعالى (وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون) اعلم أن هذا أيضا من بقية وعيد المشركين، وفي الشركاء قولان:
القول الأول: أنه تعالى يبعث الأصنام التي كان يعبدها المشركون، والمقصود من إعادتها أن المشركين يشاهدونها في غاية الذلة والحقارة. وأيضا أنها تكذب المشركين، وكل ذلك مما يوجب زيادة الغم والحسرة في قلوبهم، وإنما وصفهم الله بكونهم شركاء لوجهين: الأول: أن الكفار كانوا يسمونها بأنها شركاء الله. والثاني: أن الكفار جعلوا لهم نصيبا من أموالهم.
والقول الثاني: أن المراد بالشركاء الشياطين الذين دعوا الكفار إلى الكفر، وهو قول الحسن، وإنما ذهب إلى هذا القول، لأنه تعالى حكى عن أولئك الشركاء أنهم ألقوا إلى الذين أشركوا إنهم لكاذبون، والأصنام جمادات فلا يصح منهم هذا القول، فوجب أن يكون المراد من الشركاء الشياطين حتى يصح منهم هذا القول وهذا بعيد، لأنه تعالى قادر على خلق الحياة في تلك الأصنام وعلى خلق العقل والنطق فيها، وحينئذ يصح منها هذا القول، ثم حكى تعالى عن المشركين أنهم إذا رأوا تلك الشركاء قالوا: ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك.
فإن قيل: فما فائدتهم في هذا القول؟