قيل: أي دار هي هذه الممدوحة فقلت: هي جنات عدن، وإن شئت قلت: جنات عدن رفع بالابتداء، ويدخلونها خبره، وإن شئت قلت: نعم دار المتقين خبره، والتقدير: جنات عدن نعم دار المتقين.
المسألة الثانية: قوله: * (جنات) * يدل على القصور والبساتين وقوله: * (عدن) * يدل على الدوام، وقوله: * (تجري من تحتها الأنهار) * يدل على أنه حصل هناك أبنية يرتفعون عليها وتكون الأنهار جارية من تحتهم، ثم إنه تعالى قال: * (لهم فيها ما يشاؤون) * وفيه بحثان: الأول: أن هذه الكلمة تدل على حصول كل الخيرات والسعادات، وهذا أبلغ من قوله: * (فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) * (الزخرف: 71) لأن هذين القسمين داخلان في قوله: * (لهم فيها ما يشاؤن) * مع أقسام أخرى. الثاني: قوله: * (لهم فيها ما يشاؤن) * يعني هذه الحالة لا تحصل إلا في الجنة، لأن قوله: * (لهم فيها ما يشاؤن) * يفيد الحصر، وذلك يدل على أن الإنسان لا يجد كل ما يريده في الدنيا.
ثم قال تعالى: * (كذلك يجزي الله المتقين) * أي هكذا جزاء التقوى، ثم إنه تعالى عاد إلى وصف المتقين فقال: * (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين) * وهذا مذكور في مقابلة قوله: * (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) * (النخل: 28) وقوله: * (الذين تتوفاهم الملائكة) صفة للمتقين في قوله: * (كذلك يجزي الله المتقين) * وقوله: * (طيبين) * كلمة مختصرة جامعة للمعاني الكثيرة، وذلك لأنه يدخل فيه إتيانهم بكل ما أمروا به، واجتنابهم عن كل ما نهوا عنه ويدخل فيه كونهم موصوفين بالأخلاق الفاضلة مبرئين عن الأخلاق المذمومة، ويدخل فيه كونهم مبرئين عن العلائق الجسمانية متوجهين إلى حضرة القدس والطهارة، ويدخل فيه أنه طاب لهم قبض الأرواح وأنها لم تقبض إلا مع البشارة بالجنة حتى صاروا كأنهم مشاهدون لها ومن هذا حاله لا يتألم بالموت، وأكثر المفسرين على أن هذا التوفي هو قبض الأرواح، وإن كان الحسن يقول: إنه وفاة الحشر، ثم بين تعالى أنه يقال لهم عند هذه الحالة: * (ادخلوا الجنة) * فاحتج الحسن بهذا على أن المراد بذلك التوفي وفاة الحشر، لأنه لا يقال عند قبض الأرواح في الدنيا ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون، ومن ذهب إلى القول الأول وهم الأكثرون يقولون: إن الملائكة لما بشروهم بالجنة صارت الجنة كأنها دارهم وكأنهم فيها فيكون المراد بقولهم، ادخلوا الجنة أي هي خاصة لكم كأنكم فيها.
قوله تعالى * (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتى أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم