قوله تعالى * (والله أنزل من السمآء مآء فأحيا به الارض بعد موتهآ إن فى ذلك لآية لقوم يسمعون * وإن لكم فى الانعام لعبرة نسقيكم مما فى بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سآئغا للشاربين * ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن فى ذلك لآية لقوم يعقلون) * اعلم أنا قد ذكرنا أن المقصود الأعظم من هذا القرآن العظيم تقرير أصول أربعة: الإلهيات والنبوات والمعاد، وإثبات القضاء والقدر، والمقصود الأعظم من هذه الأصول الأربعة تقرير الإلهيات، فلهذا السبب كلما امتد الكلام في فصل من الفصول في وعيد الكفار عاد إلى تقرير الإلهيات، وقد ذكرنا في أول هذه السورة أنه تعالى لما أراد ذكر دلائل الإلهيات ابتدأ بالأجرام الفلكية، وثنى بالإنسان، وثلث بالحيوان، وربع بالنبات، وخمس بذكر أحوال البحر والأرض، فههنا في هذه الآية لما عاد إلى تقرير دلائل الإلهيات بدأ أولا بذكر الفلكيات فقال: * (والله أنزل من السماء ماء فأحيى به الأرض بعد موتها) * والمعنى: أنه تعالى خلق السماء على وجه ينزل منه الماء ويصير ذلك الماء سببا لحياة الأرض، والمراد بحياة الأرض نبات الزرع والشجر والنور والثمر بعد أن كان لا يثمر، وينفع بعد أن كان لا ينفع، وتقرير هذه الدلائل قد ذكرناه مرارا كثيرة.
ثم قال: * (إن في ذلك لآية لقوم يسمعون) * سماع إنصاف وتدبر لأن من لم يسمع بقلبه فكأنه أصم لم يسمع.
والنوع الثاني: من الدلائل المذكورة في هذه الآيات الاستدلال بعجائب أحوال الحيوانات وهو قوله: * (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه) * قد ذكرنا معنى العبرة في قوله: * (لعبرة لأولي الأبصار) * (آل عمران: 13) وفيه مسائل: