الامكان. والامكان من لوازم ا لماهية فيكون حاصلا للماهية حال حدوثها وحال بقائها فتكون علة الحاجة حال حدوث الممكن وحال بقائه، فوجب أن تكون الحاجة حاصلة حال حدوثها وحال بقائها.
إذا عرفت هذا فقوله (وله ما في السماوات والأرض) معناه: أن كل ما سوى الحق فإنه محتاج في انقلابه من العدم إلى الوجود أومن الوجود إلى العدم إلى مرجح ومخصص، وقوله (وله الدين واصبا) معناه أن هذا الانقياد وهذا الاحتياج حاصل دائما أبدا، وهو إشارة إلى ما ذكرناه من أن الممكن حال بقائه لا يستغنى عن المرجح والمخصص، وهذه دقائق من أسرار العلوم الإلهية مودعة في هذه الألفاظ الفائضة من عالم الوحي والنبوة.
ثم قال تعالى (أفغير الله تتقون) والمعنى: أنكم بعد ما عرفتم أن اله العالم واحد وعرفتم أن كل ما سواه محتاج إليه في وقت حدوثه، ومحتاج إليه أيضا في وقت دوامه وبقائه، فبعد العلم بهذه الأصول كيف يعقل أن يكون للانسان رغبة في غير الله تعالى أو رهبة عن غير الله تعالى؟ فلهذا المعنى قال على سبيل التعجب (أفغير الله تتقون) ثم قال (وما بكم من نعمة فمن الله) وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) أنه لما بين بالآية الأولى أن الواجب على العاقل أن لا يتقى غير الله، بين في هذه الآية أن يجب عليه أن لا يشكر أحدا إلا الله تعالى، لان الشكر إنما يلزم على النعمة، وكل نعمة يعقل أن يكون للانسان رغبة في غير الله تعالى أو رهبة عن غير الله تعالى؟ فلهذا المعنى قال على سبيل التعجب (أفغير الله تتقون) ثم قال (وما بكم من نعمة فمن الله) وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) أنه لما بين بالآية الأولى أن الواجب على العاقل أن لا يتقى غير الله، بين في هذه الآية أن يجب عليه أن لا يشكر أحدا إلا الله تعالى، لان الشكر إنما يلزم على النعمة، وكل نعمة حصلت للانسان فهي من الله تعالى لقوله (وما بكم من نعمة فمن الله) فثبت بهذا أن العاقل يجب عليه أن لا يخاف وأن لا يتقى أحدا إلا الله وأن لا يشكر أحدا إلا الله تعالى.
(المسألة الثانية) احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الايمان حصل بخلق الله تعالى فقالوا الايمان نعمة، وكل نعمة فهي من الله تعالى لقوله (وما بكم من نعمة فمن الله) ينتج أن الايمان من الله وإنما قلنا: إن الايمان نعمة، لان المسلمين مطبقون على قولهم: الحمد لله على نعمة الايمان، وأيضا فالنعمة عبارة عن كل ما يكون منتفعا به، وأعظم الأشياء في النفع هو الايمان، فثبت أن الايمان نعمة.
وإذا ثبت هذا فنقول: وكل نعمة فهي من الله تعالى لقوله تعالى (وما بكم من نعمة فمن الله) وهذه اللفظة تفيد العموم. وأيضا مما يدل على أن كل نعمة فهي من الله، لان كل ما كان موجودا فهو إما واجب لذاته، وإما ممكن لذاته، والواجب لذاته ليس إلا الله تعالى، والممكن لذاته لا يوجد إلا لمرجح، وذلك المرجح إن كان واجبا لذاته كان حصول ذلك الممكن بايجاد الله تعالى وإن كان ممكنا لذاته عاد التقسيم الأول فيه، ولا يذهب إلى التسلسل، بل ينتهى إلى إيجاد الواجب لذاته، فثبت بهذا البيان أن كل نعمة فهي من الله تعالى.