الجنة، والكافرين يدخلون النار، فيظهر فضل المؤمنين على الكافرين، ونظيره قوله تعالى: * (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) * (الفرقان: 24).
قوله تعالى * (لا تجعل مع الله إلها ءاخر فتقعد مذموما مخذولا) * في الآية مسائل:
المسألة الأولى: في بيان وجه النظم. فنقول: إنه تعالى لما بين أن الناس فريقان منهم من يريد بعمله الدنيا فقط وهم أهل العقاب والعذاب، ومنهم من يريد به طاعة الله وهم أهل الثواب. ثم شرط ذلك بشرائط ثلاثة: أولها: إرادة الآخرة. وثانيها: أن يعمل عملا ويسعى سعيا موافقا لطلب الآخرة. وثالثها؛ أن يكون مؤمنا لا جرم فصل في هذه الآية تلك المجملات فبدأ أولا بشرح حقيقة الإيمان، وأشرف أجزاء الإيمان هو التوحيد ونفي الشركاء والأضداد فقال: * (لا تجعل مع الله إلها آخر) * ثم ذكر عقيبه سائر الأعمال التي يكون المقدم عليها، والمشتغل بها ساعيا سعيا يليق بطلب الآخرة، وصار من الذين سعد طائرهم وحسن بختهم وكملت أحوالهم.
المسألة الثانية: قال المفسرون: هذا في الظاهر خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن في المعنى عام لجميع المكلفين كقوله: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) * (الطلاق: 1) ويحتمل أيضا أن يكون الخطاب للإنسان كأنه قيل: أيها الإنسان لا تجعل مع الله إلها آخر، وهذا الاحتمال عندي أولى، لأنه تعالى عطف عليه قوله: * (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) * (الإسراء: 23) إلى قوله: * (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما) * (الإسراء: 23) وهذا لا يليق بالنبي عليه السلام، لأن أبويه ما بلغا الكبر عنده فعلمنا أن المخاطب بهذا هو نوع الإنسان.
المسألة الثالثة: معنى الآية أن من أشرك بالله كان مذموما مخذولا، والذي يدل على أن الأمر كذلك وجوه: الأول: أن المشرك كاذب والكاذب يستوجب الذم والخذلان. الثاني: أنه لما ثبت بالدليل أنه لا إله ولا مدبر ولا مقدر إلا الواحد الأحد، فعلى هذا التقدير تكون جميع النعم حاصلة من الله تعالى، فمن أشرك بالله فقد أضاف بعض تلك النعم إلى غير الله تعالى، مع أن الحق أن كلها من الله، فحينئذ يستحق الذم، لأن الخالق تعالى استحق الشكر بإعطاء تلك النعم فلما جحد كونها من الله، فقد قابل إحسان الله تعالى بالإساءة والجحود والكفران فاستوجب الذم وإنما قلنا إنه يستحق الخذلان، لأنه لما أثبت شريكا لله تعالى استحق أن يفوض أمره إلى ذلك الشريك، فلما كان ذلك الشريك معدوما بقي بلا ناصر ولا حافظ ولا معين. وذلك عين الخذلان. الثالث: أن الكمال في الوحدة والنقصان في الكثرة، فمن أثبت الشريك فقد وقع في جانب النقصان