وقوله: * (زدناهم عذابا فوق العذاب) * فالمعنى أنهم زادوا على كفرهم صد غيرهم عن الإيمان فهم في الحقيقة ازدادوا كفرا على كفر، فلا جرم يزيدهم الله تعالى عذابا على عذاب، وأيضا أتباعهم إنما اقتدوا بهم في الكفر، فوجب أن يحصل لهم مثل عقاب أتباعهم لقوله تعالى: * (ليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) * (العنكبوت: 13) ولقوله عليه السلام: " من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة "، ومن المفسرين من ذكر تفصيل تلك الزيادة فقال ابن عباس: المراد بتلك الزيادة خمسة أنهار من نار تسيل من تحت العرش يعذبون بها ثلاثة بالليل واثنان بالنهار، وقال بعضهم زدناهم عذابا بحيات وعقارب كأمثال البخت، فيستغيثون بالهرب منها إلى النار ومنهم من ذكر لكل عقرب ثلثمائة فقرة في ثلثمائة قلة من سلم. وقيل: عقارب لها أنياب كالنخل الطوال.
ثم قال تعالى: * (بما كانوا يفسدون) * أي هذه الزيادة من العذاب إنما حصلت معللة بذلك الصد، وهذا يدل على أن من دعا غيره إلى الكفر والضلال فقد عظم عذابه، فكذلك إذا دعا إلى الدين واليقين، فقد عظم قدره عند الله تعالى والله أعلم.
قوله تعالى * (ويوم نبعث فى كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلآء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) * اعلم أن هذا نوع آخر من التهديدات المانعة للمكلفين عن المعاصي. واعلم أن الأمة عبارة عن الفرن والجماعة.
إذا ثبت هذا فنقول: في الآية قولان: الأول: أن المراد أن كل نبي شاهد على أمته. والثاني: أن كل جمع وقرن يحصل في الدنيا فلا بد وأن يحصل فيهم واحد يكون شهيدا عليهم. أما الشهيد على الذين كانوا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الرسول بدليل قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) * (البقرة: 143) وثبت أيضا أنه لا بد في كل زمان بعد زمان الرسول من الشهيد فحصل من هذا أن عصرا من الإعصار لا يخلو