ذكر صفة البحر وما فيه من المنافع بين أن من يسيرون فيه يهتدون بالنجم، ومنهم من قال: بل هو مطلق يدخل فيه السير في البر والبحر وهذا القول أولى، لأنه أعم في كونه نعمة ولأن الاهتداء بالنجم قد يحصل في الوقتين معا، ومن الفقهاء من يجعل ذلك دليلا على أن المسافر إذا عميت عليه القبلة فإنه يجب عليه أن يستدل بالنجوم وبالعلامات التي في الأرض، وهي الجبال والرياح، وذلك صحيح، لأنه كما يمكن الاهتداء بهذه العلامات في معرفة الطرق والمسالك فكذلك يمكن الاستدلال بها في معرفة طلب القبلة.
واعلم أن اشتباه القبلة إما أن يكون بعلامات لائحة أو لا يكون، فإن كانت لائحة وجب أن يجب الاجتهاد ويتوجه إلى حيث غلب على الظن أنه هو القبلة، فإن تبين الخطأ وجب الإعادة، لأنه كان مقصرا فيما وجب عليه، وإن لم تظهر العلامات فههنا طريقان:
الطريق الأول: أن يكون مخيرا في الصلاة إلى أي جهة شاء لأن الجهات لما تساوت وامتنع الترجيح لم يبق إلا التخيير.
والطريق الثاني: أن يصلي إلى جميع الجهات فحينئذ يعلم بيقين أنه خرج عن العهدة وهذا كما يقوله الفقهاء: فيمن نسي صلاة لا يعرفها بعينها أن الواجب عليه في القضاء أن يأتي بالصلوات الخمس ليكون على يقين من قضاء ما لزمه، ومنهم من يقول: الواجب منها واحدة فقط وهذا غلط لأنه لما لزمه أن يفعل الكل كان الكل واجبا وإن كان سبب وجوب كل هذه الصلوات فوت الصلاة الواحدة والله أعلم.
قوله تعالى * (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون * وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوهآ إن الله لغفور رحيم * والله يعلم ما تسرون وما تعلنون * والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون * أموات غير أحيآء وما يشعرون أيان يبعثون) * في الآية مسائل: