قلنا: فيه وجهان:
الوجه الأول: أنه لما كان المعطي لكل الخيرات هو الله تعالى فمن أثبت لله شريكا فقد أضاف إليه بعض تلك الخيرات فكان جاحدا لكونها من عند الله تعالى، وأيضا فإن أهل الطبائع وأهل النجوم يضيفون أكثر هذه النعم إلى الطبائع وإلى النجوم، وذلك يوجب كونهم جاحدين لكونها من الله تعالى.
والوجه الثاني: قال الزجاج: المراد أنه تعالى لما قرر هذه الدلائل وبينها وأظهرها بحيث يفهمها كل عاقل، كان ذلك إنعاما عظيما منه على الخلق، فعند هذا قال: * (أفبنعمة الله) * في تقريره هذه البيانات وإيضاح هذه البينات * (يجحدون) *.
المسألة الثالثة: الباء في قوله: * (أفبنعمة الله) * يجوز أن تكون زائدة لأن الجحود لا يعدى بالباء كما تقول: خذ الخطام وبالخطام، وتعلقت زيدا وبزيد، ويجوز أن يراد بالجحود الكفر فعدي بالباء لكونه بمعنى الكفر والله أعلم.
قوله تعالى * (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون) * اعلم أن هذا نوع آخر من أحوال الناس، ذكره الله تعالى ليستدل به على وجود الإله المختار الكريم، وليكون ذلك تنبيها على إنعام الله تعالى على عبيده بمثل هذه النعم، فقوله: * (جعل لكم من أنفسكم أزواجا) * قال بعضهم: المراد أنه تعالى خلق حواء من ضلع آدم، وهذا ضعيف، لأن قوله: * (جعل لكم من أنفسكم أزواجا) * خطاب مع الكل، فتخصيصه بآدم وحواء خلاف الدليل، بل هذا الحكم عام في جميع الذكور والإناث. والمعنى: أنه تعالى خلق النساء ليتزوج بهن الذكور، ومعنى: * (من أنفسكم) * مثل قوله: * (فاقتلوا أنفسكم) * (البقرة: 54) وقوله: * (فسلموا على أنفسكم) * (النور: 61) أي بعضكم على بعض، ونظير هذه الآية قوله تعالى: * (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا) * الروم: 21) قال الأطباء وأهل الطبيعة: التفاوت بين الذكر والأنثى إنما كان لأجل أن كل من كان أسخن مزاجا فهو الذكر، وكل من كان