اعلم أنه تعالى لما زيف فيما تقدم طريقة عبدة الأوثان والأصنام وبين فساد مذهبهم بالدلائل القاهرة قال: * (إلهكم إله واحد) * ثم ذكر الله تعالى ما لأجله أصر الكفار على القول بالشرك وإنكار التوحيد فقال: * (فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون) * والمعنى أن الذين يؤمنون بالآخرة ويرغبون في الفوز بالثواب الدائم ويخافون الوقوع في العقاب الدائم إذا سمعوا الدلائل والترغيب والترهيب، خافوا العقاب فتأملوا وتفكروا فيما يسمعونه، فلا جرم ينتفعون بسماع الدلائل، ويرجعون من الباطل إلى الحق، أما الذين لا يؤمنون بالآخرة وينكرونها فإنهم لا يرغبون في حصول الثواب ولا يرهبون من الوقوع في العقاب فيبقون منكرين لكل كلام يخالف قولهم ويستكبرون عن الرجوع إلى قول غيرهم، فلا جرم يبقون مصرين على ما كانوا عليه من الجهل والضلال.
ثم قال تعالى: * (لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون) * والمعنى أنه تعالى يعلم أن إصرارهم على هذه المذاهب الفاسدة ليس لأجل شبهة تصوروها أو إشكال تخيلوه، بل ذلك لأجل التقليد والنفرة عن الرجوع إلى الحق والشغف بنصرة مذاهب الأسلاف والتكبر والنخوة. فلهذا قال: * (إنه لا يحب المستكبرين) * وهذا الوعيد يتناول كل المتكبرين.
* (وإذا قيل لهم ماذآ أنزل ربكم قالوا أساطير الاولين * ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا سآء ما يزرون) * اعلم أنه تعالى لما بالغ في تقرير دلائل التوحيد وأورد الدلائل القاهرة في إبطال مذاهب عبدة الأصنام، ذكر بعد ذلك شبهات منكري النبوة مع الجواب عنها.
فالشبهة الأولى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما احتج على صحة نبوة نفسه بكون القرآن معجزة طعنوا في القرآن وقالوا: إنه أساطير الأولين، وليس هو من جنس المعجزات، وفي الآية مسائل: