الخالي عن الشتم والإيذاء أثر في القلب تأثيرا شديدا فهذا هو المراد من قوله: * (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) * ثم إنه تعالى نبه على وجه المنفعة في هذا الطريق فقال: * (إن الشيطان ينزغ بينهم) * جامعا للفريقين أي متى صارت الحجة مرة ممزوجة بالبذاءة صارت سببا لثوران الفتنة.
ثم قال: * (إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا) * والمعنى: أن العداوة الحاصلة بين الشيطان وبين الإنسان عداوة قديمة قال تعالى حكاية عنه: * (ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) * (الأعراف: 17) وقال: * (كمثل الشيطان إذا قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين) * (الحشر: 16) وقال: * (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) * (الأنفال: 48) وقال: * (لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم) * إلى قوله: * (إني بريء منكم) * (الأنفال: 48). ثم قال تعالى: * (ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم) * واعلم أنا إنما نتكلم الآن على تقدير أن قوله تعالى: * (قل لعبادي) * المراد به المؤمنون، وعلى هذا التقدير فقوله: * (ربكم أعلم بكم) * خطاب مع المؤمنين، والمعنى: إن يشأ يرحمكم، والمراد بتلك الرحمة الإنجاء من كفار مكة وأذاهم أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم. ثم قال: * (وما أرسلناك) * يا محمد * (عليهم وكيلا) * أي حافظا وكفيلا فاشتغل أنت بالدعوة ولا شيء عليك من كفرهم فإن شاء الله هدايتهم هداهم، وإلا فلا.
والقول الثاني: أن المراد من قوله: * (وقل لعبادي) * الكفار، وذلك لأن المقصود من هذه الآيات الدعوة، فلا يبعد في مثل هذا الموضع أن يخاطبوا بالخطاب الحسن ليصير ذلك سببا لجذب قلوبهم وميل طباعهم إلى قبول الدين الحق، فكأنه تعالى قال: يا محمد قل لعبادي الذين أقروا بكونهم عبادا لي يقولوا التي هي أحسن. وذلك لأنا قبل النظر في الدلائل والبينات نعلم بالضرورة أن وصف الله تعالى بالتوحيد والبراءة عن الشركاء والأضداد أحسن من إثبات الشركاء والأضداد، ووصفه بالقدرة على الحشر والنشر بعد الموت أحسن من وصفه بالعجز عن ذلك، وعرفهم أنه لا ينبغي لهم أن يصروا على تلك المذاهب الباطلة تعصبا للأسلاف، لأن الحامل على مثل هذا التعصب هو الشيطان، والشيطان عدو، فلا ينبغي أن يلتفت إلى قوله ثم قال لهم: * (ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم) * بأن يوفقكم للإيمان والهداية والمعرفة. وإن يشأ يمتكم، على الكفر فيعذبكم، إلا أن تلك المشيئة غائبة عنكم فاجتهدوا أنتم في طلب الدين الحق، ولا تصروا على الباطل والجهل لئلا تصيروا محرومين عن السعادات الأبدية والخيرات السرمدية، ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (وما أرسلناك عليهم وكيلا) * أي لا تشدد الأمر عليهم ولا تغلظ لهم في القول، والمقصود من كل هذه الكلمات: إظهار اللين والرفق لهم عند الدعوة فإن ذلك هو الذي يؤثر في القلب ويفيد حصول المقصود.