قوله تعالى * (ذلك ممآ أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها ءاخر فتلقى فى جهنم ملوما مدحورا * أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما) * اعلم أنه تعالى جمع في هذه الآية خمسة وعشرين نوعا من التكاليف. فأولها: قوله: * (ولا تجعل مع الله إلها آخر) * (الإسراء: 22) وقوله: * (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) * (الإسراء: 23) مشتمل على تكليفين: الأمر بعبادة الله تعالى، والنهي عن عبادة غير الله، فكان المجموع ثلاثة. وقوله: * (وبالوالدين إحسانا) * (الإسراء: 23) هو الرابع، ثم ذكر في شرح ذلك الإحسان خمسة أخرى وهي: قوله: * (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما) * (الإسراء: 23، 24) فيكون المجموع تسعة، ثم قال: * (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) * وهو ثلاثة فيكون المجموع اثني عشر. ثم قال: * (ولا تبذر تبذيرا) * (الإسراء: 26) فيصير ثلاثة عشر. ثم قال: * (وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا) * وهو الرابع عشر ثم قال: * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) * (الإسراء: 28، 29) إلى آخر الآية وهو الخامس عشر، ثم قال: * (ولا تقتلوا أولادكم) * (الإسراء: 31) وهو السادس عشر، ثم قال: * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) * وهو السابع عشر ثم قال: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * وهو الثامن عشر، ثم قال: * (فلا يسرف في القتل) * (الإسراء: 33) وهو التاسع عشر، ثم قال: * (وأوفوا بالعهد) * (الإسراء: 34) وهو العشرون. ثم قال: * (وأوفوا الكيل إذا كلتم) * وهو الحادي والعشرون، ثم قال: * (وزنوا بالقسطاس المستقيم) * (الإسراء: 35) وهو الثاني والعشرون، ثم قال: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * (الإسراء: 36) وهو الثالث والعشرون، ثم قال: * (ولا تمش في الأرض مرحا) * (الإسراء: 37) وهو الرابع والعشرون، ثم قال: * (ولا تجعل مع الله إلها آخر) * وهو الخامس والعشرون، فهذه خمسة وعشرون نوعا من التكاليف بعضها أوامر وبعضها نواه جمعها الله تعالى في هذه الآيات وجعل فاتحتها قوله: * (ولا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا) * (الإسراء: 22) وخاتمتها قوله: * (ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهم ملوما مدحورا) *.
إذا عرفت هذا فنقول: ههنا فوائد:
الفائدة الأولى؛ قوله: * (ذلك) * إشارة إلى كل ما تقدم ذكره من التكاليف وسماها حكمة، وإنما