فقال: * (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل) * وهو الذي سبق ذكره في سورة الأنعام.
ثم قال تعالى: * (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * وتفسيره هو المذكور في قوله تعالى: * (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) * (النساء: 160).
قوله تعالى * (ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) *.
اعلم أن المقصود بيان أن الافتراء على الله ومخالفة أمر الله لا يمنعهم من التوبة وحصول المغفرة والرحمة. ولفظ السوء يتناول كل ما لا ينبغي وهو الكفر والمعاصي، وكل من عمل السوء فإنما يفعله بالجهالة، أما الكفر فلأن أحدا لا يرضى به مع العلم بكونه كفرا، فإنه ما لم يعتقد كون ذلك المذهب حقا وصدقا، فإنه لا يختاره ولا يرتضيه، وأما المعصية فما لم تصر الشهوة غالبة للعقل والعلم لم تصدر عنه تلك المعصية، فثبت أن كل من عمل السوء فإنما يقدم عليه بسبب الجهالة، فقال تعالى: إنا قد بالغنا في تهديد أولئك الكفار الذين يحللون ويحرمون بمقتضى السهوة والفرية على الله تعالى، ثم إنا بعد ذلك نقول: إن ربك في حق الذين عملوا السوء بسبب الجهالة، ثم تابوا من بعد ذلك، أي من بعد تلك السيئة، وقيل: من بعد تلك الجهالة، ثم إنهم بعد التوبة عن تلك السيئات أصلحوا، أي آمنوا وأطاعوا الله.
ثم أعاد قوله: * (إن ربك من بعدها) * على سبيل التأكيد. ثم قال: * (لغفور رحيم) * والمعنى: إنه لغفور رحيم لذلك السوء الذي صدر عنهم بسبب الجهالة، وحاصل الكلام أن الإنسان وإن كان قد أقدم على الكفر والمعاصي دهرا دهيرا وأمدا مديدا، فإذا تاب عنه وآمن وأتى بالأعمال الصالحة فإن الله غفور رحيم، يقبل توبته ويخلصه من العذاب.