بمنزلة قوله (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) وعلى التقديرين فأقسم الله تعالى بنفسه أنه يسألهم، وهذا تهديد منه شديد، لان المراد أنه يسألهم سؤال توبيخ وتهديد، وفى وقت هذا السؤال احتمالان: الأول: أنه يقع ذلك السؤال عند القرب من الموت ومعاينة ملائكة العذاب، وقيل عند عذاب القبر. والثاني: أنه يقع ذلك في الآخرة، وهذا أولى لأنه تعالى قد أخبر بما يجرى هناك من ضروب التوبيخ عند المسألة فهو إلى الوعيد أقرب.
(النوع الثاني) من كلماتهم الفاسدة أنهم يجعلون لله البنات، ونظيره قوله تعالى (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) كانت خزاعة وكنانة تقول: الملائكة بنات الله. أقول أظن أن العرب إنما أطلقوا لفظ البنات لان الملائكة لما كانوا مستترين عن العيون أشبهوا النساء في الاستتار فأطلقوا عليهم لفظ البنات. وأيضا قرص الشمس يجرى مجرى المستتر عن العيون بسبب ضوئه الباهر ونوره القاهر فأطلقوا عليه لفظ التأنيث فهذا ما يغلب على الظن في سبب إقدامهم على هذا القول الفاسد والمذهب الباطل، ولما حكى الله تعالى عنهم هذا القول قال (سبحانه) وفيه وجوه: الأول:
أن يكون المراد تنزيه ذاته عن نسبة الولد إليه. والثاني: تعجب الخلق من هذا الجهل القبيح، وهو وصف الملائكة بالأنثوية ثم نسبتها بالولد إلى الله تعالى. والثالث: قيل في التفسير معناه معاذ الله وذلك مقارب للوجه الأول.
ثم قال تعالى (ولم ما يشتهون) أجاز الفراء في ما وجهين: الأول: أن يكون في محل النصب على معنى، ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون. والثاني: أن يكون رفعا على الابتداء كأنه تم الكلام عند قوله (سبحانه) ثم ابتدأ فقال (ولهم ما يشتهون) يعنى البنين وهو كقوله (أم له البنات ولكم البنون) ثم اختار الوجه الثاني وقال: لو كان نصيبا، لقال ولأنفسهم ما يشتهون، لأنك تقول جعلت لنفسك كذا، وكذا، ولا تقول جعلت لك، وأبى الزجاج إجازة الوجه الأول، وقال ما في موضع رفع لا غير، والتقدير: ولهم الشئ الذي يشتهونه، ولا يجوز النصب لان العرب تقول جعل لنفسه ما تشهى، ولا تقول جعل له ما يشتهى وهو يعنى نفسه. ثم إنه تعالى ذكر أن الواحد من هؤلاء المشركين لا يرضى الولد البنت لنفسه فمالا يرتضيه لنفسه كيف ينسبه لله تعالى فقال؟ وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجه مسودا وهو كظيم وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) التبشير في عرف اللغة مختص بالخبر الذي يفيد السرور إلا أنه بحسب أصل اللغة عبارة عن الخبر الذي يؤثر في تغير بشرة الوجه، ومعلوم أن السرور كما يوجب تغير البشرة فكذلك الحزن يوجبه. فوجب أن لفظة التبشير حقيقة في القسمين، ويتأكد هذا بقوله