في الآخرين) * (الشعراء: 84) وقال آخرون: هو قول المصلي منا كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وقيل: الصدق، والوفاء والعبادة.
الصفة التاسعة: قوله: * (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) *.
فإن قيل: لم قال: * (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) * ولم يقل: وإنه في الآخرة في أعلى مقامات الصالحين؟. قلنا: لأنه تعالى حكى عنه أنه قال: * (رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين) * (البقرة: 130) فقال ههنا: * (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) * تنبيها على أنه تعالى أجاب دعاءه ثم إن كونه من الصالحين لا ينفي أن يكون في أعلى مقامات الصالحين فإن الله تعالى بين ذلك في آية أخرى وهي قوله: * (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء) * (الأنعام: 83).
واعلم أنه تعالى لما وصف إبراهيم عليه السلام بهذه الصفات العالية الشريفة قال: * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) * وفيه مباحث:
البحث الأول: قال قوم: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان على شريعة إبراهيم عليه السلام، وليس له شرع هو به منفرد، بل المقصود من بعثته عليه السلام إحياء شرع إبراهيم عليه السلام وعول في إثبات مذهبه على هذه الآية وهذا القول ضعيف، لأنه تعالى وصف إبراهيم عليه السلام في هذه الآية بأنه ما كان من المشركين، فلما قال: * (اتبع ملة إبراهيم) * كان المراد ذلك.
فإن قيل: النبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى الشرك وأثبت التوحيد بناء على الدلائل القطعية وإذا كان كذلك لم يكن متابعا له فيمتنع حمل قوله: * (أن اتبع) * على هذا المعنى فوجب حمله على الشرائع التي يصح حصول المتابعة فيها.
قلنا: يحتمل أن يكون المراد الأمر بمتابعته في كيفية الدعوة إلى التوحيد وهو أن يدعو إليه بطريق الرفق والسهولة وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى بأنواع كثيرة على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن.
البحث الثاني: قال صاحب " الكشاف ": لفظة " ثم " في قوله: * (ثم أوحينا إليك) * تدل على تعظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلال محله والإيذان بأن أشرف ما أوتي خليل الله من الكرامة وأجل ما أوتي من النعمة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملته من قبل، إن هذه اللفظة دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة عن سائر المدائح التي مدحه الله بها.