والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين (80) أعطى الطير جناحا يبسطه مرة ويكسره أخرى مثل ما يعمله السابح في الماء، وخلق الهواء خلقة لطيفة رقيقة يسهل بسببها خرقه والنفاذ فيه، ولولا ذلك لما كان الطيران ممكنا. وأما قوله تعالى (ما يمسكهن إلا الله) فالمعنى: أن جسد الطير جسم ثقيل، والجسم الثقيل يمتنع بقاؤه في الجو معلقا من غير دعامة تحته ولا علاقة فوقه، فوجب أن يكون الممسك له في ذلك الجو هو الله تعالى، ثم من الظاهر أن بقاءه في الجو معلقا فعله وحاصل باختياره، فثبت أن خالق فعل العبد هو الله تعالى.
قال القاضي: إنما أضاف الله تعالى هذا الامساك إلى نفسه، لأنه تعالى هو الذي أعطى الآلات التي لاجلها يمكن الطير من تلك الأفعال، فلما كان تعالى هو المسبب لذلك لا جرم صحت هذه الإضافة إلى تعالى.
والجواب: أن هذا ترك للظاهر بغير دليل وأنه لا يجوز، لا سيما والدلائل العقلية دلت على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى.
ثم قال تعالى في آخر الآية (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) وخص هذه الآيات بالمؤمنين لانهم هم المنتفعون بها وإن كانت هذه الآيات آيات لكل العقلاء، والله أعلم، قوله تعالى (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) اعلم أن هذا نوع آخر من دلائل التوحيد، وأقسام النعم والفضل، والسكن المسكن، وأنشد الفراء:
جاء الشتاء ولما أتخذ سكنا... يا ويح كفى من حفر القراميص والسكن ما سكنت إليه وما سكنت فيه. قال صاحب الكشاف: السكن فعل بمعنى مفعول،.
وهو ما يسكن إليه وينقطع إليه من بيت أو الف.
واعلم أن البيوت التي يسكن الانسان فيها على قسمين:
(القسم الأول) البيوت المتخذة من الخشب والطين والآلات التي بها يمكن تسقيف البيوت،